لُبْنَان

Wave Image
أَرَى الْـحُـسْـنَ فِـي لُـبْـنَـانَ أَيْـنَـعَ غَـرْسُهُ
وَقَــارَبَ حَــتَّــى أَمْـكَـنَ الْـكَـفَّ لَـمْـسُـهُ
إِذَا مَــا رَأَتْــهُ عَـيْـنُ ذِي الـلُّـبِّ مُـشْـرِقًـا
تَــنَـزَّتْ بِـهِ فِـي مَـدْرَجِ الْـحُـبِّ نَـفْـسُـهُ
زَكَــا مَــغْــرِسًــا فَــالـذَّامُ لَـيْـسَ يَـؤُمُّـهُ
وَطَـابَ جَـنًـى فَـالـسُّـوءُ لَـيْـسَ يَـمَـسُّـهُ
قَــسَــا صَــخْــرُهُ لَــكِــنْ تَــفَـجَّـرَ مَـاؤُهُ
فَــلَانَ بِــكَــفِّ الْـعَـيْـشِ مِـنْـهُ مَـجَـسُّـهُ
لَــقَــدْ لَــبِــسَ الْـجَـوَّ الـلَّـطِـيـفَ فَـزَانَـهُ
بِـمَـا فِـيـهِ مِـنْ غُـرِّ الْـمَـحَـاسِـنِ لِـبْـسُـهُ
فَـفِـي الـلَّـيْـلِ لَـمْ يُـزْعِـجْـكَ بَرْدُ نَسِيمِهِ
وَفِـي الـظُّـهْـرِ لَـمْ تَـلْفَحْكَ بِالْحَرِّ شَمْسُهُ
وَقَــدْ عُــبِّــدَتْ لِــلـسَّـالِـكِـيـنَ طَـرِيـقُـهُ
وَحُــــرِّرَ أَهْــــلُــــوهُ وَبُــــورِكَ أُنْـــسُـــهُ
فَـمَـنْ كَـانَ فِـي طُـرْقِ الـتَّـوَاصُـلِ عَثْرَةً
فَـقَـدْ جَـازَ فِـي شَـرْعِ الْـمَـحَـبَّـةِ دَعْـسُهُ
تُـضِـيءُ نُـجُـومُ الـسَّـعْـدِ وَالْـيُـمْنِ فَوْقَهُ
فَـيَـنْـجَـابُ شُـؤْمُ الـدَّهْـرِ عَـنْـهُ وَنَـحْسُهُ
وَيَــهْــمِــسُ فِـي أُذْنِ الـطَّـبِـيـعَـةِ جَـوُّهُ
فَـيُـضْـحِـكُـهَا فَوْقَ الرُّبَى الْخُضْرِ هَمْسُهُ
كَأَنَّ الــنَّــسِــيـمَ الـطَّـلْـقَ بَـيْـنَ جِـنَـانِـهِ
غِـنَـاءُ حَـبِـيـبٍ يُـطْـرِبُ الـنَّـفْسَ جَرْسُهُ
كَأَنَّ جِــبَــالَ الْــمَــتْــنِ حَــدْبَــةُ عَــابِـدٍ
هَـوَى سَـاجِـدًا شُـكْـرًا وَبَـيْـرُوتُ رَأْسُـهُ
يُـقَـالُ عَـنِ الْأَضْـوَاءِ فِـي جَـوْفِ لَـيْـلِـهِ
بِـبَـيْـرُوتَ إِذْ يَـغْـشَـى مِـنَ الـلَّيْلِ دَمْسُهُ
تَــزَوَّجَ صِــنِّــيــنُ الْــفَـتَـى بِـنْـتَ جَـارِهِ
فَأَضْــوَاءُ بَـيْـرُوتَ الْـوَسِـيـطَـةِ عُـرْسُـهُ
وَنَــبْـعُ الـصَّـفَـا وَالْـقَـاعُ فِـيـهِ كِـلَاهُـمَـا
مِــنَ الْــحُـسْـنِ مَـلْأَى بِـالْـبَـدَائِـعِ كَأْسُـهُ
جَــرَى الْــمَـاءُ فِـي وَادِيـهِـمَـا مُـتَـدَفِّـقًـا
بِأُنْــشُــودَةِ الْإِطْــرَابِ تَــنْـطِـقُ خُـرْسُـهُ
وَإِنْ تَــزُرِ الــشَّــاغُــورَ يَــوْمًـا تَـجِـدْ بِـهِ
مِـنَ الْحُسْنِ مَا قَدْ خُصَّ بِالْفَضْلِ جِنْسُهُ
جَــرَى مَـاؤُهُ الْـعَـذْبُ الـزُّلَالُ مُـحَـاكِـيًـا
بِـهِ الْـمَـاسَ صَـفْـوًا أَوْ هُـوَ الْمَاسُ نَفْسُهُ
تَـــرَى طَـــبْـــعَ وَادِيــهِ رَءُوفًــا بِأَهْــلِــهِ
شَـدِيـدًا عَـلَـى مَـا يُـزْعِـجُ الـنَّفْسَ بَأْسُهُ
فَــمَـنْ زَارَهُ مُـسْـتَـوْحِـشًـا فَـهْـوَ أُنْـسُـهُ
وَمَـنْ جَـاءَهُ مُـسْـتَـنْـزِهًـا فَـهْـوَ قُـدْسُـهُ
فَــيَــا لَائِــمِـي فِـي حُـبِّ لُـبْـنَـانَ إِنَّـنِـي
أُحِــسُّ لَــعَــمْــرِي مِــنْـهُ مَـا لَا تُـحِـسُّـهُ
إِذَا كَــانَ لُــبْــنَــانٌ كَــلَـيْـلَـى مَـحَـاسِـنًـا
فَـلَا تَـعْـجَـبُـوا مِـنْ أَنَّـنِـي الْـيَـوْمَ قَيْسُهُ
وَإِنْ تَــحْــمَــدُوا مِــنْـهُ الْأَيَـادِي فَإِنَّـنِـي
أَنَــا الْــيَــوْمَ مِــنْ بَــعْـدِ الْإِيَـادِيِّ قُـسُّـهُ
عَــجِــبْــتُ لِــمَــدْفُـونٍ بِـهِ بَـعْـدَ مَـوْتِـهِ
وَلَـمْ يَـنْـتَـفِـضْ حَـيًّـا وَيَـنْـشَـقَّ رَمْـسُـهُ
فَــمَــنْ لَـمْ يَـزُرْهُ وَهْـوَ رَبُّ اسْـتِـطَـاعَـةٍ
تَـحَـتَّـمَ فِـي سِـجْـنِ الْـحَـمَـاقَـةِ حَـبْـسُهُ
وَمَــنْ زَارَهُ مُــسْـتَـشْـفِـيًـا زَارَهُ الـشِّـفَـا
وَإِنْ كَــانَ قَــبْـلًا يَـائِـسًـا مِـنْـهُ نُـطْـسُـهُ
وَلَــوْ جَــاءَهُ مَــنْ فِــيــهِ مَــسٌّ وَجِــنَّـةٌ
لَـــمَـــا حَـــلَّـــهُ إِلَّا وَقَـــدْ زَالَ مَـــسُّـــهُ
وَمَـا حَـلَّـهُ مُـسْـتَـوْحِـشُ الـنَّـفْسِ وَاجِمٌ
مِــنَ الــنَّـاسِ إِلَّا تَـمَّ بِـالـضِّـحْـكِ أُنْـسُـهُ
مَـحَـلَّ اصْـطِـيَـافِ الْأَغْـنِـيَـاءِ مِنَ الْوَرَى
يَــعِـيـشُ عَـزِيـزًا فِـيـهِ مَـنْ ذَلَّ فَـلْـسُـهُ
فَــمَــنْ يَــبْـذُلِ الـدِّيـنَـارَ فِـيـمَـا يُـرِيـدُهُ
فَـــمَأْوَاهُ مَـــحْــمُــودٌ وَإِلَّا فَــعَــكْــسُــهُ
كَـمِـثْـلِ الَّـذِي لَا تَـصْـرِفُ الْـفَـلْـسَ كَـفُّـهُ
وَلَـوْ كَـانَ دُونَ الْـفَـلْـسِ يُـقْـلَـعُ ضِـرْسُـهُ
كَـتَـبْـتُ كِـتَابَ الْمَدْحِ فِي وَصْفِ حُسْنِهِ
فَـضَـاقَ وَلَـمْ يَـسْتَوْعِبِ الْوَصْفَ طِرْسُهُ
فَــمَــا كُــلُّ مَــا قَــالَــتْ بِــهِ شُــعَــرَاؤُهُ
سِـوَى ثُـلْـثِ مَـا يَـحْـوِيـهِ بَلْ هُوَ خُمْسُهُ
أَلَا إِنَّ فِـــي لُـــبْـــنَـــانَ جَـــوًّا مُــرَوَّقًــا
إِذَا مَـا شَـفَـى الْـمَسْلُولَ لَمْ يُخْشَ نُكْسُهُ

عن القصيدة

  • طريقة النظم: عمودي
  • لغة القصيدة: الفصحى
  • بحر القصيدة: الطويل
  • عصر القصيدة: الحديث

عن الشاعر

معروف الرُّصافي: أديب وشاعر وأكاديمي عراقي له إسهامات معتبَرة في حقلَي التعليم والثقافة.

وُلِدَ معروف عبد الغني محمود الجباري في مدينة بغداد العراقية عام ١٨٧٥م وتلقَّى علومه الأوَّلِيَّة في الكتاتيب كباقي أقرانه، ثم التحق ﺑ «المدرسة العسكرية الابتدائية» لفترة، ولكنه انتقل للدراسة في المدارس الدينية حيث تتلمذَ على يد مجموعة من علماءِ بغداد الكبار، وقد لقَّبَهُ أحد شيوخه بمعروف الرُّصافي بدلًا من معروف الكرخي.

بعد تخرُّجه عمِل الرُّصافي معلمًا ﺑ «مدرسة الراشدية» ثم مدرسًا للأدب العربي ﺑ «المدرسة الإعدادية» ببغداد، وقد تنقَّل بين المدارس حتى أصبح مدرِّسًا للُّغة العربية ﺑ «الكلية الشاهانية» بإسطنبول، وكان أيضًا يمارس الصحافة؛ حيث عمل محررًا بجريدة «سبيل الرشاد».

انتُخِب الرصافي عضوًا ﺑ «مجلس المبعوثان» العثماني في عام ١٩١٢م (وهو شبيه بالمجالس النيابية الآن)، وتقديرًا لجهوده الأدبية والتعليمية انتُخِب عضوًا ﺑ «مجمع اللغة العربية» بدمشق، ثم عُيِّنَ مفتشًا بمديرية المعارف العراقية.

آمَن الرُّصافي بأهمية التعليم وعمِل على نشره بين العراقيين من خلال دعواته وجهاده المستمر لبناء المزيد من المدارس، محفِّزًا الأغنياء على دعم المشاريع التعليمية وكفالة طلبة العلم، حيث رأى أن طريق التحرُّر الوطني يمر بالمدارس. والحديث عن التحرُّر الوطني يَجرُّنا بالضرورة إلى نشاط الرُّصافي السياسي ورفضه للاحتلال البريطاني واستبداد السلطة؛ فنجده قد دبَّج المقالات وألَّف القصائد الحماسية محرِّضًا الشعب على النضال السياسي، وكذلك الثورة ضد التقاليد والجمود.

ترك الرُّصافي الكثير من الأعمال الشعرية والنثرية المميزة التي عكست أسلوبَه الرصين ولغته المتينة جزْلة الألفاظ، وقد تنوعت الموضوعات التي كتب فيها ما بين السياسي والاجتماعي والأدبي والتاريخي، وكثيرًا ما أثارت كتبه ضجَّةً كبرى في الأوساط الثقافية؛ فكتابه الشهير «الشخصية المحمدية» اعتبره البعض تهجُّمًا على الدين ومقدساته.

تُوُفِّيَ الرُّصافي بعد حياة حافلة في عام ١٩٤٥م عن سبعين عامًا.

تسجيل الدخول إلى حسابك

Sad Face Image

قم بتسجيل الدخول ليبدأ التحميل، وتحصل على جميع مزايا ومحتوى هنداوي فاونديشن سي آي سي.

تسجيل الدخول إنشاء حساب

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤