مِنْ وَيْلَاتِ الْحَرْبِ

Wave Image
مَــرَّتْ تَــقُــولُ أَلَا يَـا رَبِّ خُـذْ رُوحِـي
كَـيْ أَسْـتَـرِيـحَ بِـمَـوْتِـي مِـنْ تَبَارِيحِي
مَـهْـزُولَـةَ الْـجِـسْـمِ مِـنْ فَـقْرٍ وَمِنْ نَكَدٍ
مُــصْـفَـرَّةَ الْـوَجْـهِ مِـنْ هَـمٍّ وَتَـتْـرِيـحِ
بَــاتَــتْ بِـغَـيْـرِ عَـشَـاءٍ وَهْـيَ طَـاوِيَـةٌ
وَأَصْـبَـحَـتْ وَهْـيَ غَرْثَى دُونَ تَصْبِيحِ
ضَـنْـكُ الْـمَعِيشَةِ أَضْوَى جِسْمَهَا فَبَدَتْ
شَـرْوَى خَـيَـالٍ بِـطَـرْفِ الْـعَـيْنِ مَلْمُوحِ
وَأَذْبَــلَــتْـهَـا هُـمُـومُ الـنَّـفْـسِ نَـاصِـبَـةً
فَـصَـوَّحَـتْ وَجْـنَـتَـيْـهَـا أَيَّ تَـصْـوِيـحِ
وَيْــلُــمِّــهَــا عِــيـشَـةً نَـكْـدَاءَ يَـابِـسَـةً
لَـمْ تُـبْـقِ مِـنْ جِـسْـمِـهَـا غَـيْرَ الْأَلَاوِيحِ
فِـــي طَـــرْفِـــهَــا نَــظَــرٌ وَانٍ تُــرَدِّدُهُ
لَــمْـحَ الْـمَـرِيـضِ إِذَا مَـا جَـادَ بِـالـرُّوحِ
تَــلَــفَّــعَــتْ بِــدَرِيــسٍ مِــنْ تَــخَـرُّقِـهِ
تَــخَــالُ طُــرَّتَــهُ بَــعْــضَ الـتَّـقَـازِيـحِ
فَـكَـمْ تَـرَى الْـعَـيْـنُ خَـرْقًـا غَـيْرَ مُرْتَقَعٍ
فِـي جَـانِـبَـيْـهِ وَفَـتْـقًـا غَـيْـرَ مَـنْصُوحِ
تَـمْـشِـي انْـخِـزَالًا بِـعِـبْءِ الْـفَقْرِ مُثْقَلَةً
كَـظَـالِـعٍ فِـي الـطَّـرِيـقِ الْوَعْرِ مَكْسُوحِ
خَـارَتْ قُـوَاهَـا فَـمَـارَتْ فِـي تَـخَـزُّلِـهَـا
يَــكَــادُ يُــسْـقِـطُـهَـا هَـبٌّ مِـنَ الـرِّيـحِ
•••
لَــمَّــا دَنَــوْتُ إِلَــيْــهَــا كَــيْ أُسَـائِـلَـهَـا
وَالْــقَـلْـبُ فِـي خَـطَـرَانٍ كَـالْأَرَاجِـيـحِ
تَأَوَّهَــــتْ آهَـــةً حَـــمْـــرَاءَ دَامِـــيَـــةً
تَــشِــفُّ عَــنْ كَــبِــدٍ بِـالْـهَـمِّ مَـجْـرُوحِ
وَأَجْـهَـشَـتْ ثُـمَّ أَرْخَـتْ مِـنْ مَحَاجِرِهَا
عِـنَـانَ دَمْـعٍ عَـلَـى الْـخَـدَّيْـنِ مَـنْضُوحِ
وَأَعْـرَضَـتْ وَهْـيَ لَـمْ تَنْبِسْ سِوَى نَظَرٍ
يُـغْـنِـي الْأَلِـبَّـاءَ عَـنْ نُـطْـقٍ وَتَـصْـرِيـحِ
فَـرُحْـتُ مِـنْ عَـجَبِي مِنْهَا وَمِنْ جَزَعِي
أَبْـكِـي لَـهَـا بَـيْـنَ تَـرْجِـيـعٍ وَتَـسْـبِـيـحِ
مَـنْ لَـيْـسَ يُـبْـكِـيـهِ مِـنْ أَبْـنَـاءِ جِلْدَتِهِ
بُـكَـاؤُهُـمْ فَـهْـوَ مِـنْ جِـنْـسِ التَّمَاسِيحِ
وَلَا يَـقُـومُ بِـعِـبْءِ الْـمَـجْـدِ مُـضْـطَـلِعًا
مَــنْ لَا يَــقُـومُ إِلَـى إِنْـهَـاضِ مَـفْـدُوحِ
وَمَـا الـسَّـعَـادَةُ فِـي الـدُّنْـيَـا بِـحَـاصِلَةٍ
إِلَّا بِإِسْــــعَــــادِ أَطْــــلَاحٍ مَــــرَازِيـــحِ
إِنَّ الْـــمُـــرُوءَةَ شَـــيْءٌ لَا تُـــنَــاوِشُــهُ
إِلَّا سَـــوَاعِـــدُ أَجْـــوَادٍ مَــسَــامِــيــحِ
أَرَى كُــنُــوزَ الْــمَــعَـالِـي مَـا لِأَقْـفُـلِـهَـا
غَـيْـرُ الـسَّـمَـاحِ لَـعَـمْـرِي مِـنْ مَـفَـاتِيحِ
وَالْـعَـيْـشُ غَـيْـهَـبُ آمَـالٍ وَلَـيْـسَ لَـنَـا
سِـوَى الـتَّـعَـاوُنِ فِـيـهِ مِـنْ مَـصَـابِـيحِ
•••
قَـامَـتْ قِـيَـامَـةُ أَهْـلِ الْـغَرْبِ فَانْبَعَثَتْ
هَــزَاهِــزٌ بَــيْــنَـهُـمْ عَـمَّـتْ بَـنِـي نُـوحِ
وَاسْـتَـفْـحَـلَـتْ فِـتْـنَـةٌ عَـمْـيَاءُ جَائِحَةٌ
تَـمَـخَّضَتْ فِي دَمٍ فِي الْأَرْضِ مَسْفُوحِ
وَقَــامَــتِ الْـحَـرْبُ بِـالـلَّأْوَاءِ شَـامِـلَـةً
كُـلَّ الْـبَـسِـيـطَـةِ حَـتَّـى الْأَبْـحُـرِ الْفِيحِ
وَالْأَرْضُ قَـدْ أَصْـبَحَتْ مِنْ مَكْرِ سَاكِنِهَا
مُــحْـمَـرَّةَ الـلُّـوْحِ أَوْ مُـغْـبَـرَّةَ الـسُّـوحِ
ضَـاقَتْ عَلَى النَّاسِ وَانْسَدَّتْ مَسَالِكُهَا
فَــعَــادَ كُــلُّ طَــرِيــقٍ غَــيْـرَ مَـفْـتُـوحِ
وَالْـحَـرْبُ أَغْـنَـتْ أُنَـاسًـا غُـنْـيَـةً عَجَبًا
وَآخَــرِيــنَ رَمَــتْــهُــمْ بِــالْــمَـجَـالِـيـحِ
وَمَـعْـشَـرًا أَسْـكَـنَـتْـهُـمْ فِي الذُّرَا غُرَفًا
وَمَـعْـشَـرًا بَـطْـنَ مَـلْـحُـودٍ وَمَـضْـرُوحِ
•••
أَمَّـا الَّـتِـي أَوْجَـعَـتْ قَـلْـبِـي بِـمَـنْظَرِهَا
وَأَوْهَــنَــتْــهُ بِــتَــبْــضِــيــعٍ وَتَـقْـرِيـحِ
فَـغَـادَةٌ عَـضَّـتِ الْـحَـرْبُ الضَّرُوسُ بِهَا
عَــضًّـا بِـنَـابٍ حَـدِيـدٍ غَـيْـرِ مَـرْضُـوحِ
أَمْــسَــتْ تُــكَــابِـدُ مِـنْ فَـقْـرٍ أَلَـمَّ بِـهَـا
آلَامَ عَــيْـشٍ بَـشِـيـعِ الـطَّـعْـمِ مَـذْرُوحِ
تَـرْنُـو إِلَـى الـنَّـاسِ بِالشَّكْوَى فَتَحْسَبُهَا
ظَــمْآنَ يَــشْــكُــو لِآلٍ حُــرْقَـةَ الـلُّـوحِ

عن القصيدة

  • طريقة النظم: عمودي
  • لغة القصيدة: الفصحى
  • بحر القصيدة: البسيط
  • عصر القصيدة: الحديث

عن الشاعر

معروف الرُّصافي: أديب وشاعر وأكاديمي عراقي له إسهامات معتبَرة في حقلَي التعليم والثقافة.

وُلِدَ معروف عبد الغني محمود الجباري في مدينة بغداد العراقية عام ١٨٧٥م وتلقَّى علومه الأوَّلِيَّة في الكتاتيب كباقي أقرانه، ثم التحق ﺑ «المدرسة العسكرية الابتدائية» لفترة، ولكنه انتقل للدراسة في المدارس الدينية حيث تتلمذَ على يد مجموعة من علماءِ بغداد الكبار، وقد لقَّبَهُ أحد شيوخه بمعروف الرُّصافي بدلًا من معروف الكرخي.

بعد تخرُّجه عمِل الرُّصافي معلمًا ﺑ «مدرسة الراشدية» ثم مدرسًا للأدب العربي ﺑ «المدرسة الإعدادية» ببغداد، وقد تنقَّل بين المدارس حتى أصبح مدرِّسًا للُّغة العربية ﺑ «الكلية الشاهانية» بإسطنبول، وكان أيضًا يمارس الصحافة؛ حيث عمل محررًا بجريدة «سبيل الرشاد».

انتُخِب الرصافي عضوًا ﺑ «مجلس المبعوثان» العثماني في عام ١٩١٢م (وهو شبيه بالمجالس النيابية الآن)، وتقديرًا لجهوده الأدبية والتعليمية انتُخِب عضوًا ﺑ «مجمع اللغة العربية» بدمشق، ثم عُيِّنَ مفتشًا بمديرية المعارف العراقية.

آمَن الرُّصافي بأهمية التعليم وعمِل على نشره بين العراقيين من خلال دعواته وجهاده المستمر لبناء المزيد من المدارس، محفِّزًا الأغنياء على دعم المشاريع التعليمية وكفالة طلبة العلم، حيث رأى أن طريق التحرُّر الوطني يمر بالمدارس. والحديث عن التحرُّر الوطني يَجرُّنا بالضرورة إلى نشاط الرُّصافي السياسي ورفضه للاحتلال البريطاني واستبداد السلطة؛ فنجده قد دبَّج المقالات وألَّف القصائد الحماسية محرِّضًا الشعب على النضال السياسي، وكذلك الثورة ضد التقاليد والجمود.

ترك الرُّصافي الكثير من الأعمال الشعرية والنثرية المميزة التي عكست أسلوبَه الرصين ولغته المتينة جزْلة الألفاظ، وقد تنوعت الموضوعات التي كتب فيها ما بين السياسي والاجتماعي والأدبي والتاريخي، وكثيرًا ما أثارت كتبه ضجَّةً كبرى في الأوساط الثقافية؛ فكتابه الشهير «الشخصية المحمدية» اعتبره البعض تهجُّمًا على الدين ومقدساته.

تُوُفِّيَ الرُّصافي بعد حياة حافلة في عام ١٩٤٥م عن سبعين عامًا.

تسجيل الدخول إلى حسابك

Sad Face Image

قم بتسجيل الدخول ليبدأ التحميل، وتحصل على جميع مزايا ومحتوى هنداوي فاونديشن سي آي سي.

تسجيل الدخول إنشاء حساب

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤