الْفَقْرُ وَالسَّقَامُ

Wave Image
أَيُّ مُــضْــنًــى يَـمُـدُّهَـا بِـاكْـتِـئَـابِ
أَنَّــةٌ تَـتْـرُكُ الْـحَـشَـا فِـي الْـتِـهَـابِ
يَـتَـشَـكَّـى وَالـلَّـيْـلُ وَحْـفُ الْإِهَابِ
ضِـمْـنَ بَـيْـتٍ جَـثَـا عَـلَـى الْأَعْقَابِ
صَــفَـعَـتْـهُ، فَـمَـالَ، كَـفُّ الْـخَـرَابِ
تَـسْـمَـعُ الْأُذْنُ مِـنْـهُ صَـوْتًـا حَـزِيـنَا
رَاجِـعًـا فِـي حَـشَـا الـظَّـلَامِ كَـمِـينَا
يَــمْــلَأُ الــلَّــيْــلَ بِــالـدُّعَـاءِ أَنِـيـنَـا
رَبِّ كُـنْ لِـي عَـلَـى الْـحَـيَـاةِ مُـعِينَا
رَبِّ إِنَّ الْــحَــيَــاةَ أَصْــلُ عَــذَابِـي
وَجَـعٌ فِـي مَـفَـاصِـلِـي دَقَّ عَـظْمِي
وَدَهَــانِــي وَلَــمْ يَــرِقَّ لِــعُــدْمِــي
عَـاقَـنِـي عَـنْ تَـكَسُّبِي قُوتَ يَوْمِي
رَبِّ فَـارْحَـمْ فَـقْرِي بِصِحَّةِ جِسْمِي
إِنَّ فَــقْــرِي أَشَــدُّ مِــنْ أَوْصَــابِـي
يَـا طَـبِـيـبًـا وَأَيْـنَ مِـنِّـي الـطَّـبِـيبُ
حَـالَ دُونَ الـطَّـبِـيـبِ فَقْرٌ عَصِيبُ
لَا أَصَــابَ الْــفَـقِـيـرَ دَاءٌ مُـصِـيـبُ
إِنَّ سُـقْـمَ الْـفَـقِـيـرِ شَـيْءٌ عَـجِـيبُ
بَــطَــلَـتْ فِـيـهِ حِـكْـمَـةُ الْأَسْـبَـابِ
•••
رَجُــلٌ مُــعْــسِـرٌ يُـسَـمَّـى بَـشِـيـرَا
كَـانَ يَـسْـعَـى طُـولَ الـنَّـهَـارِ أَجِيرَا
كَــاسِــبًــا قُــوتَـهُ زَهِـيـدًا يَـسِـيـرَا
مَـالِـكًـا فِـي الْـمَـعَـاشِ قَـلْبًا شَكُورَا
رَاجِـيًـا فِـي الْـمَـعَـادِ حُـسْـنَ الْمَآبِ
عَـالَ أُخْـتًـا حَـكَـتْـهُ خُـلْـقًـا نَـزِيـهَا
عَــانِــسًــا جَـاوَزَ الـزَّوَاجُ سِـنِـيـهَـا
لَــزِمَــتْ بَــيْــتَ أُمِّــهَــا وَأَبِــيــهَــا
مَـعْ أَخِـيـهَـا تَـعِـيـشُ عِـنْـدَ أَخِـيـهَا
مِــثْــلُــهُ فِـي طَـعَـامِـهِ وَالـشَّـرَابِ
كُـــلَّ يَـــوْمٍ لَـــهُ ذَهَـــابٌ وَمَأْتَـــى
فِــي مَــعَــاشٍ مِــنْ كَــدِّهِ يَــتَأَتَّـى
هَــكَــذَا دَأْبُـهُ مَـصِـيـفًـا وَمَـشْـتَـى
فَــاعْـتَـرَاهُ دَاءُ الْـمَـفَـاصِـلِ حَـتَّـى
عَــاقَــهُ عَـنْ تَـعَـيُّـشٍ وَاكْـتِـسَـابِ
بَـيْـنَـمَـا كَـانَ فِـي قُـوَاهُ صَـحِـيـحَا
سَـاعِـيًـا فِـي ارْتِـزَاقِـهِ مُـسْـتَـمِيحَا
إِذْ عَـرَاهُ الـضَّـنَـى فَـعَـادَ طَـلِـيـحَـا
وَرَمَــتْــهُ يَــدُ الــسَّــقَـامِ طَـرِيـحَـا
جِـسْـمُـهُ مِنْ سَقَامِهِ فِي اضْطِرَابِ
بَــاتَ يَــبْــكِـي إِذَا لَـهُ الـلَّـيْـلُ آوَى
بِــعُــيُــونٍ مِــنَ الـسُّـهَـادِ نَـشَـاوَى
فَــتَــرَى وَهْــوَ بَــالْــبُـكَـا يَـتَـدَاوَى
قَــطَــرَاتٍ مِــنْ عَــيْــنِـهِ تَـتَـهَـاوَى
كَــشِــهَــابٍ يَــنْـقَـضُّ إِثْـرَ شِـهَـابِ
إِنَّ سُــقْــمًــا بِــهِ وَعُــقْــمًــا أَلَــمَّــا
تَــرَكَــاهُ يَــذُوبُ يَــوْمًــا فَــيَــوْمَـا
فَـهْـوَ حِينًا يَشْكُو إِلَى الْسُّقْمِ عُدْمَا
وَهْـوَ يَـشْكُو حِينًا إِلَى الْعُدْمِ سُقْمَا
بَــاكِـيًـا مِـنْ كِـلَـيْـهِـمَـا بِـانْـتِـحَـابِ
ظَـلَّ يَـشْـكُـو لِلْأُخْتِ ضَعْفًا وَعَجْزَا
إِذْ تُـــعَـــزِّيـــهِ وَهْــوَ لَا يَــتَــعَــزَّى
أَيُّــهَــا الْأُخْــتُ عَــزَّ صَــبْـرِيَ عَـزَّا
إِنَّ لِــلـدَّاءِ فِـي الْـمَـفَـاصِـلِ وَخْـزَا
مِـثْـلُ طَـعْـنِ الْـقَـنَـا وَوَخْزِ الْحِرَابِ
قَــدْ تَــمَــادَى بِـهِ الـسَّـقَـامُ وَطَـالَا
وَتَـــرَاءَى لَــهُ الــشِّــفَــاءُ مُــحَــالَا
إِذْ قُــلَابًــا بِـهِ الـسَّـقَـامُ اسْـتَـحَـالَا
كَــانَ هَــيْــنًــا فَـصَـارَ دَاءً عُـضَـالَا
نَــاشِــبًــا فِـي الْـفُـؤَادِ كَـالـنُّـشَّـابِ
•••
ظَـلَّ مُـلْـقًـى وَأَعْـوَزَتْـهُ الْـمَـطَـاعِمْ
مُــوثَــقًــا مِـنْ سَـقَـامِـهِ بِـالْأَدَاهِـمْ
مُــنْـفِـقًـا عِـنْـدَ ذَاكَ بَـعْـضَ دَرَاهِـمْ
رَبِـحَـتْـهَـا مِـنْ غَزْلِهَا الْأُخْتُ فَاطِمْ
قَـبْـلَ أَنْ يُـبْـتَـلَـى بِـهَـذَا الْـمُـصَـابِ
قَــالَ وَالْأُخْــتُ أَخْــبَـرَتْـهُ بِأَنْ قَـدْ
كَــرَبَــتْ عِـنْـدَهَـا الـدَّرَاهِـمُ تَـنْـفَـدْ
أَخْــبِــرِي الــسُّــقْـمَ عَـلَّـهُ يَـتَـبَـعَّـدْ
أَيُّـهَـا الـسُّـقْـمُ خَـلِّ عَـيْشِي الْمُنَكَّدْ
لَا تَـعُـقْنِي فِي عِيشَتِي عَنْ طِلَابِي
مَـرِّضِـيـنِـي شَـقِـيـقَـتِـي مَرِّضِيني
وَعَـلَـى الْـكَـسْبِ فِي غَدٍ حَرِّضِينِي
وَإِذَا مَـسَّـكِ الـطَّـوَى فَـارْفُـضِـينِي
أَوْ عَـلَـى الـنَّـاسِ لِلْمَبِيعِ اعْرِضِينِي
عَــلَّــهُــمْ يَــشْـتَـرُونَـنِـي مِـمَّـا بِـي
رَامَ خُـبْـزًا وَالْـجُـوعُ أَذْكَـى الْأُوَارَا
فِــي حَــشَـاهُ فَـعَـلَّـلَـتْـهُ انْـتِـظَـارَا
ثُـمَّ جَـاءَتْ بِـالْـمَـاءِ تُـبْـدِي اعْتِذَارَا
وَهَــلِ الْــمَـاءُ، وَهْـوَ يُـطْـفِـئُ نَـارَا
يُـطْـفِـئُ الْجُوعَ ذَاكِيًا فِي الْتِهَابِ؟
خَــرَجَــتْ فَـاطِـمٌ إِلَـى جَـارَتَـيْـهَـا
وَهْـيَ تُـذْرِي الـدُّمُـوعَ مِـنْ مُقْلَتَيْهَا
فَأَبَـــانَـــتْ بِــرِقَّــةٍ حَــالَــتَــيْــهَــا
مِــنْ سَــقَــامٍ وَمِـنْ سُـعَـارٍ لَـدَيْـهَـا
وَشَــكَـتْ بَـعْـدَ ذَا خُـلُـوَّ الْـوِطَـابِ
فَــانْــثَــنَــتْ وَهْـيَ بَـيْـنَ ذُلٍّ وَعِـزِّ
تَـحْـمِـلُ الـتَّـمْـرَ فِـي يَـدٍ فَوْقَ خُبْزِ
وَبِأُخْـــرَى سَـــمْــنًــا وَبَــعْــضَ أَرُزِّ
مَـنَـحُـوهَـا بِـهِ وَذُو الْـعَرْشِ يَجْزِي
مَـنْ أَعَـانَ الْـفَـقِـيـرَ حُـسْنُ الثَّوَابِ
•••
لَــيْــلَــةٌ تَــنْـشُـرُ الْـعَـوَاطِـفُ ذُعْـرَا
فِـي دُجَـاهَا حَيْثُ السَّحَابُ اكْفَهَرَّا
ذَا هَــزِيــمٌ يَـمُـجُّ فِـي الْأُذْنِ وَقْـرَا
حِـيـنَ تُـبْـدِي صَـوَالِـجُ الْبَرْقِ تَتْرَى
كَـهْـرَبَـائِـيَّـةً سَـرَتْ فِـي الـسَّـحَابِ
مَــدَّ فِـيـهَـا ذَاكَ الْـمَـرِيـضُ الْأَكُـفَّـا
فِـي فِـرَاشٍ بِـهِ عَـلَى الْمَوْتِ أَوْفَى
طَـرْفُـهَـا كَـالـسُّـهَـا يَـبِـيـنُ وَيَخْفَى
حَـيْـثُ يُـغْضِي طَرْفًا وَيَفْتَحُ طَرْفَا
عَــاجِــزًا عَــنْ تَــكَــلُّــمٍ وَخِـطَـابِ
فَـدَعَـتْـهُ وَالْـعَـيْـنُ تُـذْرِي الـدُّمُوعَا
أُخْــتُــهُ وَهْــيَ قَــلْـبُـهَـا قَـدْ رِيـعَـا
يَــا أَخِــي أَنْـتَ سَـاكِـنٌ أَفَـجُـوعَـا
سَـاكِـتٌ أَنْـتَ يَـا أَخِـي أَمْ هُـجُوعَا
فَـاشْـفِـنِـي يَـا أَخِي بِرَجْعِ الْجَوَابِ
فَـــرَأَتْ مِـــنْــهُ أَنَّــهُ لَا يُــجِــيــبُ
فَـتَـدَانَـتْ وَالـدَّمْـعُ مِـنْـهَـا صَـبِيبُ
ثُـمَّ أَصْـغَـتْ وَفِـي الْـفُـؤَادِ وَجِـيبُ
ثُـمَّ هَـابَـتْ وَالْـمَـوْتُ شَـيْءٌ مَهِيبُ
ثُــمَّ قَــامَـتْ بِـخَـشْـيَـةٍ وَارْتِـيَـابِ
خَـرَجَـتْ فَـاطِـمٌ مِـنَ الْـبَـيْـتِ لَـيْلَا
حَـيْـثُ أَرْخَـى الظَّلَامُ سِدْلًا فَسِدْلَا
وَهْـيَ تَـبْـكِي وَالْغَيْثُ يَهْطِلُ هَطْلَا
مِـثْـلَ دَمْـعٍ مِـنْ مُـقْـلَـتَـيْـهَا اسْتَهَلَّا
أَوْ كَــمَــاءٍ جَــرَى مِــنَ الْــمِـيـزَابِ
رَبِّ أَدْرِكْ بِـالـلُّـطْـفِ مِـنْـكَ شَقِيقِي
وَامْـنَـعِ الْـغَـيْـثَ رَبِّ عَـنْ تَـعْوِيقِي
وَمُـرِ الْـبَـرْقَ أَنْ يُـضِـيءَ طَـرِيـقِـي
بِـــبَــرِيــقٍ يُــبْــدِيــهِ إِثْــرَ بَــرِيــقِ
فَـعَـسَـى أَهْـتَـدِي بِـهِ فِـي ذَهَـابِـي
قَـرَعَـتْ فِـي الـظَّـلَامِ بَـابَ الْـجَـارِ
وَهْـيَ تَـبْـكِـي الْأَسَـى بِـدَمْـعٍ جَـارِ
ثُـــمَّ نَـــادَتْ بِـــرِقَّــةٍ وَانْــكِــسَــارِ
أُمَّ سَــلْــمَــى أَلَا بِــحَــقِّ الْــجِــوَارِ
فَـافْـتَـحِـي إِنَّـنِـي أَنَـا فِـي الْـبَـابِ
فَأَتَــتْــهَـا سُـعْـدَى وَقَـدْ عَـرَفَـتْـهَـا
وَعَـنِ الْـخَـطْبِ فِي الدُّجَى سَأَلَتْهَا
ثُـمَّ سَـارَتْ مِـنْ بَـعْـدِ مَـا أَعْـلَـمَـتْهَا
تَــقْــتَــفِــيــهَـا وَبِـنْـتُـهَـا تَـبِـعَـتْـهَـا
فَـتَـخَـطَّـيْـنَ فِـي الدُّجَى بِانْسِيَابِ
جِـئْـنَ وَالسُّحْبُ أَقْلَعَتْ عَنْ حَيَاهَا
وَكَـــذَاكَ الـــرُّعُـــودُ قَــلَّ رُغَــاهَــا
حَـيْـثُ يَأْتِـي شِـبْـهَ الْأَنِـينِ صَدَاهَا
غَــيْــرَ أَنَّ الْــبُـرُوقَ كَـانَ ضِـيَـاهَـا
مُـومِـضًـا فِـي الـسَّـمَاءِ بَيْنَ الرَّبَابِ
فَـدَخَـلْـنَ الْـمَـحَـلَّ وَهْـوَ مُـخِـيـفُ
حَـيْـثُ إِنَّ الـسُّـكُـوتَ فِـيـهِ كَـثِيفُ
وَضِــيَــاءُ الــسِّـرَاجِ نَـزْرٌ ضَـعِـيـفُ
وَبِـهِ فِـي الْـفِـرَاشِ شَـخْصٌ نَحِيفُ
دَبَّ مِـنْـهُ الْـحِـمَـامُ فِـي الْأَعْـصَابِ
قَـالَـتِ الْأُخْـتُ: أَمَّ سَـلْـمَى انْظُرِيهِ
ثَــــكِـــلَـــتْ رُوحُ أُمِّـــهِ وَأَبِـــيـــهِ
فَــرَأَتْ مِــنْـهُ إِذْ دَنَـتْ نَـحْـوَ فِـيـهِ
نَــفَــسًــا مُــبْــطِــئَ الـتَّـرَدُّدِ فِـيـهِ
ثُـمَّ قَـدْ غَـالَـهُ الـرَّدَى بِـاقْـتِـضَـابِ
وَجَــمَــتْ حَــيْــرَةً وَبَــعْـدَ قَـلِـيـلِ
رَمَــقَــتْ فَـاطِـمًـا بِـطَـرْفٍ كَـلِـيـلِ
فِـيـهِ حَـمْـلٌ عَـلَـى الْـعَـزَاءِ الْجَمِيلِ
فَــعَــلَا صَــوْتُ فَـاطِـمٍ بِـالْـعَـوِيـلِ
وَبَـكَـتْ طُـولَ لَـيْـلِـهَـا بِـانْـتِـحَـابِ
فَـاسْـتَـمَـرَّتْ حَـتَّـى الصَّبَاحِ تُوَالِي
زَفَــرَاتٍ بِــنَــارِهَــا الْــقَـلْـبُ صَـالِ
فَأَتَــاهَــا وَدَمْــعُــهَـا فِـي انْـهِـمَـالِ
بَــعْــضُ جَـارَاتِـهَـا وَبَـعْـضُ رِجَـالِ
مِـنْ صَـعَـالِـيـكِ أَهْـلِ ذَاكَ الْـجَنَابِ
وَقَـفُـوا مَـوْقِـفًـا بِـهِ الْـفَـقْـرُ أَلْـقَـى
مِـنْـهُ ثِـقْـلًا بِـهِ الْـمَـعِـيـشَـةُ تَـشْقَى
فَــرَأَوْا دَمْــعَ فَـاطِـمٍ لَـيْـسَ يَـرْقَـا
وَأَخُـوهَـا مَـيْتٌ عَلَى الْأَرْضِ مُلْقَى
مُـــدْرَجٌ فِـــي رَثَـــائِــثِ الْأَثْــوَابِ
فَـــغَــدَتْ فَــاطِــمٌ تَــرِنُّ رَنِــيــنَــا
بِــبُــكَــاءٍ أَبْــكَــتْ بِـهِ الْـوَاقِـفِـيـنَـا
ثُــمَّ قَــالَــتْ لَــهُـمْ مَـقَـالًا حَـزِيـنَـا
أَيُّــهَـا الْـوَاقِـفُـونَ هَـلْ تَـرْحَـمُـونَـا
مِــنْ مُــصَــابٍ دَهَــا وَأَيُّ مُـصَـابِ
أَيُّــهَــا الْــوَاقِــفُــونَ لَا تُــهْــمِـلُـوهُ
دُونَـكُـمْ أَدْمُـعِـي بِـهَـا فَـاغْـسِـلُـوهُ
ثُــمَّ بِــالــثَّــوْبِ ضَــافِـيًـا كَـفِّـنُـوهُ
وَادْفِــنُـوهُ لَـكِـنْ بِـقَـلْـبِـي ادْفِـنُـوهُ
لَا تُــوَارُوا جَــبِــيــنَــهُ بِــالــتُّـرَابِ
بَــعْــدَ أَنْ ظَــلَّ لِافْــتِــقَــادِ الْـمَـالِ
وَهْــوَ مُــلْــقًــى إِلَـى أَوَانِ الـزَّوَالِ
جَـادَ شَـخْـصٌ عَـلَـيْـهِ بَـعْـدَ سُـؤَالِ
بِــــرِيَــــالٍ وَزَادَ نِـــصْـــفَ رِيَـــالِ
رَجُـــلٌ حَـــاضِــرٌ مِــنَ الْأَنْــجَــابِ
كَــفَّــنُـوهُ مِـنْ بَـعْـدِ مَـا تَـمَّ غُـسْـلَا
وَتَــمَــشَّـوْا بِـهِ إِلَـى الْـقَـبْـرِ حَـمْـلَا
فَــتَــرَى نَــعْــشَــهُ غَـدَاةَ اسْـتَـقَـلَّا
نَـعْـشَ مَـنْ كَـانَ فِـي الْـحَـيَاةِ مُقِلَّا
دُونَ سِــتْــرٍ مُــكَــسَّــرِ الْأَجْــنَـابِ
نَـاحَتِ الْأُخْتُ حِينَ سَارَ وَصَاحَتْ
أُخْـتُكَ الْيَوْمَ لَوْ قَضَتْ لَاسْتَرَاحَتْ
ثُـمَّ سَـارَتْ مَـدْهُـوشَـةً ثُمَّ طَاحَتْ
ثُــمَّ قَــامَـتْ تَـرْنُـو لَـهُ ثُـمَّ رَاحَـتْ
تَــسْــكُـبُ الـدَّمْـعَ أَيَّـمَـا تَـسْـكَـابِ
أَيُّـهَـا الْـحَـامِـلُـوهُ لَا مَـشْـيَ رَكْـضِ
إِنَّ هَــذَا يَــوْمُ الْــفِــرَاقِ الْـمُـمِـضِّ
فَـاسْأَلُـوهُ عَـنْ قَـصْـدِهِ أَيْنَ يَمْضِي
إِنَّـهُ قَـدْ قَـضَـى وَلَـمْ يَـكُ يَـقْـضِـي
وَاجِـبَـاتِ الـصِّـبَـا وَشَـرْخِ الـشَّبَابِ
إِنَّ قَـلْـبِـي عَـلَـى كَـرِيـمِ الـسَّـجَـايَا
طَــاحَ وَالــلــهِ مِـنْ أَسَـاهُ شَـظَـايَـا
قَـاتَـلَ الـلـهُ يَـا بْـنَ أُمِّـي الْـمَـنَـايَـا
أَنَـا مِـنْ قَـبْـلُ مُـذْ حَـسَـبْـتُ الرَّزَايَا
لَـمْ يَـكُـنْ رُزْءُ مَـوْتِـكُمْ فِي حِسَابِي
إِنَّ لَــيْــلِــي وَلَـيْـسَ مِـنْ رَاقِـدِيـهِ
كُـــلَّـــمَـــا جَـــاءَنِــي وَذَكَّــرَنِــيــهِ
قُــلْــتُ وَالــدَّمْــعُ قَــائِـلٌ لِـيَ: إِيـهِ
يَــا فَـقِـيـدًا أُعَـاتِـبُ الْـمَـوْتَ فِـيـهِ
بِــبُــكَــائِـي وَهَـلْ يُـفِـيـدُ عِـتَـابِـي
رُحْـتُ يَـوْمًـا وَقَـدْ مَـضَـتْ سَـنَتَانِ
أَتَــمَــشَّــى بِــشَــارِعِ «الْـمَـيْـدَانِ»
مَــشْــيَ حَـيْـرَانَ خَـطْـوُهُ مُـتَـدَانِ
أَثْــقَــلَــتْــهُ الْــحَــيَــاةُ بِــالْأَحْـزَانِ
وَسَــقَــتْـهُ كَأْسًـا كَـطَـعْـمِ الـصَّـابِ
بَــيْــنَــمَــا كُــنْـتُ هَـكَـذَا أَتَـمَـشَّـى
عَـرَضَـتْ نَـظْـرَةٌ فَأَبْـصَـرْتُ نَـعْـشَـا
بَــادِيًــا لِــلْــعُـيُـونِ غَـيْـرَ مُـغَـشَّـى
نَـقَـشَ الْـفَـقْـرُ فِـيـهِ لِـلْـحُـزْنِ نَقْشَا
فَــبَــدَا لَــوْحُ أَبْــؤُسٍ وَاكْــتِــئَـابِ
قُـلْـتُ سِـرًّا وَالـنَّـعْـشُ يَـقْرُبُ مِنِّي
أَيُّـهَـا الـنَّـعْـشُ أَنْـتَ أَنْعَشْتَ حُزْنِي
لَـلْأَسَـى فِـيـكَ حَـالَـةٌ نَـاسَـبَـتْـنِـي
إِنْ بَــدَا الْـيَـوْمَ فِـيـكَ حُـزْنٌ فَإِنِّـي
أَنَــا لِــلْـحُـزْنِ دَائِـمًـا ذُو انْـتِـسَـابِ
رُحْــتُ أَسْــعَـى وَرَاءَهُ مُـذْ تَـعَـدَّى
مُـسْـرِعًـا فِـي خُـطَـايَ لَمْ آلُ جَهْدَا
مَــعْ رِجَـالٍ كَأَنْـجُـمِ الـنَّـعْـشِ عَـدَّا
هُــمْ بِــهِ سَــائِـرُونَ سَـيْـرًا مُـجِـدَّا
فَـــنَـــرَاهُ يَــمُــرُّ مَــرَّ الــسَّــحَــابِ
مَـذْ لَـحَـدْنَـا ذَاكَ الـدَّفِـيـنَ وَعُـدْنَـا
قُــلْــتُ وَالــدَّمْــعُ بَــلَّ مِـنِّـيَ رُدْنَـا
إِنَّ هَــذَا هُــوَ الَّــذِي قَــدْ وُعِــدْنَــا
فَأَبِــيــنُــوا مَـنِ الَّـذِي قَـدْ لَـحَـدْنَـا
فَـتَـصَـدَّى مِـنْـهُـمْ فَـتًـى لِـجَـوَابِـي
قَــالَ: إِنَّ الــدَّفِـيـنَ أُخْـتُ بَـشِـيـرِ
أُخْـتُ ذَاكَ الْـمِـسْـكِـيـنِ ذَاكَ الْفَقِيرِ
بَــقِــيَــتْ بَـعْـدَهُ بِـعَـيْـشٍ عَـسِـيـرِ
وَبِــطَــرْفٍ بَــاكٍ وَقَــلْــبٍ كَــسِـيـرِ
وَقَــضَــتْ مِــثْــلَــهُ بِـدَاءِ الْـقُـلَابِ
قُـلْـتُ: أَقْـصِـرْ عَـنِ الْكَلَامِ فَحَسْبِي
مِــنْــكَ هَــذَا فَـقَـدْ تَـزَلْـزَلَ قَـلْـبِـي
ثُــمَّ نَـاجَـيْـتُ وَالـضَّـرَاعَـةُ ثَـوْبِـي
رَبِّ رُحْــمَــاكَ رَبِّ رُحْــمَــاكَ رَبِّــي
رَبِّ رُشْــدًا إِلَـى طَـرِيـقِ الـصَّـوَابِ
رَبِّ إِنَّ الْـــعِـــبَــادَ أَضْــعَــفُ أَنْ لَا
يَـجِـدُوا مِـنْـكَ رَبِّ عَـفْـوًا وَفَـضْـلَا
فَـاعْـفُ عَـنْ أَخْذِهِمْ وَإِنْ كَانَ عَدْلَا
أَنْــتَ يَـا رَبِّ أَنْـتَ بِـالْـعَـفْـوِ أَوْلَـى
مِـنْـكَ بِـالْأَخْـذِ وَالْـجَـزَا وَالْـعِـقَـابِ
قَـدْ وَرَدْنَـا وَالْأَرْضُ لِلْعَيْشِ حَوْضُ
وَاحِــدٌ كُــلُّــنَــا لَــنَـا فِـيـهِ خَـوْضُ
فَــلِــمَــاذَا بِــهِ مَـشُـوبٌ وَمَـحْـضُ
عِــظَــةٌ حِــكْــمَــةُ الْإِلَـهِ، فَـبَـعْـضُ
فِـي نَـعِـيـمٍ وَبَـعْـضُـنَـا فِـي عَـذَابِ
أَيُّـهَـا الْأَغْـنِـيَـاءُ كَـمْ قَـدْ ظَـلَـمْـتُـمْ
نِـعَـمَ الـلـهِ حَـيْـثُ مَـا إِنْ رَحِـمْـتُـمْ
سَـهِـرَ الْـبَـائِـسُـونَ جُـوعًـا وَنِـمْـتُمْ
بِـهَـنَـاءٍ مِـنْ بَـعْـدِ مَـا قَـدْ طَـعِـمْـتُمْ
مِـــنْ طَـــعَـــامٍ مُــنَــوَّعٍ وَشَــرَابِ
كَـمْ بَـذَلْـتُـمْ أَمْـوَالَكُمْ فِي الْمَلَاهِي
وَرَكِــبْــتُــمْ بِــهَـا مُـتُـونَ الـسَّـفَـاهِ
وَبَــخِــلْــتُــمْ مِــنْــهَـا بِـحَـقِّ الْإِلَـهِ
أَيُّـهَـا الْـمُـوسِـرُونَ بَـعْـضَ انْـتِـبَـاهِ
أَفَـــتَــدْرُونَ أَنَّــكُــمْ فِــي تَــبَــابِ

عن القصيدة

  • طريقة النظم: شعر مخمس
  • لغة القصيدة: الفصحى
  • بحر القصيدة: الخفيف
  • عصر القصيدة: الحديث

عن الشاعر

معروف الرُّصافي: أديب وشاعر وأكاديمي عراقي له إسهامات معتبَرة في حقلَي التعليم والثقافة.

وُلِدَ معروف عبد الغني محمود الجباري في مدينة بغداد العراقية عام ١٨٧٥م وتلقَّى علومه الأوَّلِيَّة في الكتاتيب كباقي أقرانه، ثم التحق ﺑ «المدرسة العسكرية الابتدائية» لفترة، ولكنه انتقل للدراسة في المدارس الدينية حيث تتلمذَ على يد مجموعة من علماءِ بغداد الكبار، وقد لقَّبَهُ أحد شيوخه بمعروف الرُّصافي بدلًا من معروف الكرخي.

بعد تخرُّجه عمِل الرُّصافي معلمًا ﺑ «مدرسة الراشدية» ثم مدرسًا للأدب العربي ﺑ «المدرسة الإعدادية» ببغداد، وقد تنقَّل بين المدارس حتى أصبح مدرِّسًا للُّغة العربية ﺑ «الكلية الشاهانية» بإسطنبول، وكان أيضًا يمارس الصحافة؛ حيث عمل محررًا بجريدة «سبيل الرشاد».

انتُخِب الرصافي عضوًا ﺑ «مجلس المبعوثان» العثماني في عام ١٩١٢م (وهو شبيه بالمجالس النيابية الآن)، وتقديرًا لجهوده الأدبية والتعليمية انتُخِب عضوًا ﺑ «مجمع اللغة العربية» بدمشق، ثم عُيِّنَ مفتشًا بمديرية المعارف العراقية.

آمَن الرُّصافي بأهمية التعليم وعمِل على نشره بين العراقيين من خلال دعواته وجهاده المستمر لبناء المزيد من المدارس، محفِّزًا الأغنياء على دعم المشاريع التعليمية وكفالة طلبة العلم، حيث رأى أن طريق التحرُّر الوطني يمر بالمدارس. والحديث عن التحرُّر الوطني يَجرُّنا بالضرورة إلى نشاط الرُّصافي السياسي ورفضه للاحتلال البريطاني واستبداد السلطة؛ فنجده قد دبَّج المقالات وألَّف القصائد الحماسية محرِّضًا الشعب على النضال السياسي، وكذلك الثورة ضد التقاليد والجمود.

ترك الرُّصافي الكثير من الأعمال الشعرية والنثرية المميزة التي عكست أسلوبَه الرصين ولغته المتينة جزْلة الألفاظ، وقد تنوعت الموضوعات التي كتب فيها ما بين السياسي والاجتماعي والأدبي والتاريخي، وكثيرًا ما أثارت كتبه ضجَّةً كبرى في الأوساط الثقافية؛ فكتابه الشهير «الشخصية المحمدية» اعتبره البعض تهجُّمًا على الدين ومقدساته.

تُوُفِّيَ الرُّصافي بعد حياة حافلة في عام ١٩٤٥م عن سبعين عامًا.

تسجيل الدخول إلى حسابك

Sad Face Image

قم بتسجيل الدخول ليبدأ التحميل، وتحصل على جميع مزايا ومحتوى هنداوي فاونديشن سي آي سي.

تسجيل الدخول إنشاء حساب

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤