أَبُو غَازِي

Wave Image
أَبُـــو غَــازِي الــسَّــلَامُ عَــلَــيْــكَ مِــنَّــا
وَعَـــفْـــوًا أَيُّـــهَــا الْــمَــلِــكُ الْــهُــمَــامُ
فَـــمَـــا ضَــاقَ الْــكَــلَامُ بِــنَــا، وَلَــكِــنْ
وَجَــدْنَــا الْــحُــزْنَ أَرْخَــصُــهُ الْــكَــلَامُ
وَخَـــطْـــبُـــكَ لَا يَـــفِـــيــهِ دَمْــعُ بَــاكٍ
وَلَـــوْ أَنَّ الَّـــذِي يَـــبْـــكِـــي الْــغَــمَــامُ
وَنَـــحْــنُ أَحَــقُّ أَنْ نُــبْــكَــى وَنُــرْثَــى
فَــمَــوْتُــكَ مِــنْ بَـنِـي الْـعُـرْبِ انْـتِـقَـامُ
خَـــبَـــا نِـــبْـــرَاسُـــنَـــا، وَاللَّـــيْــلُ دَاجٍ
وَمَـــوْجُ الْـــحَـــادِثَــاتِ لَــهُ الْــتِــطَــامُ
وَكُــنْــتَ لَــنَــا الــدَّلِــيــلَ فَـغِـبْـتَ عَـنَّـا
وَكُــنْــتَ حُــسَــامَــنَـا فَـنَـبَـا الْـحُـسَـامُ
كَـــأَنَّــكَ قَــدْ وَتَــرْتَ الْــمَــوْتَ قِــدْمًــا
وَهَــابَــكَ فِــي كِــنَــانَــتِــكَ الــسِّــهَـامُ
فَـــدَبَّ إِلَـــيْـــكَ مِـــثْــلَ اللِّــصِّ لَــيْــلًا
وَكَـــانَ الْـــمَـــوْتُ لَـــيْـــسَ لَــهُ ذِمَــامُ
طَــوَى الــدُّنْــيَــا نَــعِــيُّــكَ فِــي ثَـوَانٍ
فَــرِيــعَ الْــبَــيْــتُ وَالْــبَــلَــدُ الْــحَــرَامُ
وَ«دِجْــلَــةُ» كَــالــطَّــعِــيــنِ لَــهُ أَنِــيـنٌ
وَفِــي «بَــرَدَى» الْــتِــيَــاعٌ وَاضْــطِـرَامُ
وَرُحْـــنَـــا بَـــيْـــنَ مَــصْــعُــوقٍ وَسَــاهٍ
كَــمَــنْ صَــرَعَــتْ عُــقُــولَــهُـمُ الْـمُـدَامُ
كَـــأَنَّ الْأَرْضَ قَـــدْ مَـــادَتْ وَفُـــضَّــتْ
عَــنِ الْــمَــوْتَــى الــصَّـفَـائِـحُ وَالـرِّجَـامُ
فَــمَــنْ لِلْــبِــيـضِ وَالْـجُـرْدِ الْـمَـذَاكِـي؟
وَ«فَــيْــصَــلُ» بَــاتَ يَــحْـوِيـهِ الـرَّغَـامُ
وَمَــــنْ لِلْــــحَــــقِّ يَــــنْـــشُـــرُهُ لِـــوَاءً
بِـــهِ للـــنَّـــاسِ هَـــدْيٌ وَاعْـــتِـــصَـــامُ
تَــوَارَى الْــمَــجْــدُ فِــي كَــفَــنٍ وَلَـحْـدٍ
وَغَــابَــتْ فِــي الــتُّـرَابِ مُـنًـى عِـظَـامُ
مَــضَــى وَحَــدِيــثُـهُ فِـي الـنَّـاسِ بَـاقٍ
كَــعُــمْــرِ الـشَّـمْـسِ لَـيْـسَ لَـهُ انْـصِـرَامُ
فَـــيَـــا جَــدَثًــا حَــوَاهُ لَــسْــتَ قَــبْــرًا
وَلَـــكِـــنْ أَنْـــتَ فِــي الــدُّنْــيَــا وِسَــامُ
حَـــيَـــاتُــكَ «يَــا أَبَــا غَــازِي» حَــيَــاةٌ
كَــفَــصْــلِ الــصَّــيْــفِ زَهْـرٌ وَابْـتِـسَـامُ
وَقَــدْ تُـحْـصَـى الْـكَـوَاكِـبُ وَالْأَقَـاحِـي
وَلَا تُـــحْـــصَــى أَيَــادِيــكَ الْــجِــسَــامُ
مَــدَدْتَ إِلَــى مُـنَـى الْـعَـرَبِ الْـغَـوَافِـي
يَــدًا، فَــتَــفَــتَّــقَــتْ عَــنْــهَــا الْـكِـمَـامُ
وَأَمْـــسَـــى بَـــنْـــدُهُــمْ وَلَــهُ خُــفُــوقٌ
وَأَمْـــسَـــى عَـــقْـــدُهُــمْ وَلَــهُ نِــظَــامُ
وَكَـمْ أَسْـقَـمْـتَ جِـسْـمَـكَ كَـيْ يَصِحُّوا
وَحَـــالَـــفْــتَ الــسُّــهَــادَ وَهُــمْ نِــيَــامُ
وَكَـــمْ جَـــازَيْـــتَ عَــنْ شَــرٍّ بِــخَــيْــرٍ
وَكَــــمْ جَــــازَاكَ بِــــالْــــغَــــدْرِ الْأَنَـــامُ
خُــذِلْــتَ فَــمَـا عَـتَـبْـتَ عَـلَـى صَـدِيـقٍ
وَلَـــمْ تَـــحْــنَــقْ وَقَــدْ كَــثُــرَ الْــمَــلَامُ
وَكَــمْ قَــدْ فُــزْتَ فِــي حَــرْبٍ وَسِــلْـمٍ
فَــلَــمْ يَــلْــعَــبْ بِــعِــطْــفَـيْـكَ الْـعُـرَامُ
خَــــلَائِـــقُ مَـــنْ لَـــهُ عِـــرْقٌ كَـــرِيـــمٌ
وَخُـــطَّـــةُ مَـــنْ لَـــهُ قَـــلْــبٌ عِــصَــامُ
خُـذُوا الْـخُـلُـقَ الـرَّفِـيـعَ مِـنَ الصَّحَارِي
فَــإِنَّ الــنَّــفْــسَ يُــفْــسِــدُهَــا الـزِّحَـامُ
وَكَـــمْ فَــقَــدَتْ جَــلَالَــتَــهَــا قُــصُــورٌ
وَلَـــمْ تَــفْــقِــدْ مُــرُوءَتَــهَــا الْــخِــيَــامُ
وَقَــالُــوا انْــدَكَّ عَــرْشُـكَ فِـي دِمَـشْـقَ
كَـــأَنَّ الْـــعَـــرْشَ أَخْـــشَـــابٌ تُـــقَـــامُ
وَكَـــيْـــفَ تُــهَــدُّ سُــدَّتُــكَ الْــعَــوَالِــي
وَلَــمْ يَــسْــلُــبْــكَــهَــا الْـمَـوْتُ الـزُّؤَامُ؟
فَـــمَـــا كَـــانَ انْـــتِـــصَـــارُهُـــمُ عَــلَاءً
وَلَا كَــــانَ انْــــكِـــسَـــارُكَ فِـــيـــهِ ذَامُ
إِذَا لَــــمْ تَـــنْـــصُـــرِ الْأَرْوَاحُ مُـــلْـــكًـــا
فَــأَحْــسَــنُ مَــا حَــوَى جُــثَــثٌ وَهَـامُ
وَمَــــا زَالَـــتْ لَـــكَ الْأَرْوَاحُ فِـــيـــهَـــا
وَمَـــا زَالَـــتْ عَـــشِـــيـــرَتُــكَ الــشَّــآمُ
تُــصَــفِّــقُ لِاسْــمِــكَ الْأَمْــوَاهُ فِــيــهَــا
وَيَــهْــتِــفُ فِــي خَــمَــائِـلِـهَـا الْـحَـمَـامُ
وَيَــذْكُــرُ أَهْــلُــهَــا تِــلْــكَ الــسَّــجَــايَـا
فَـــيُــشْــرِقُ مِــنْ تَــذَكُّــرِهَــا الــظَّــلَامُ
وَلَـــيْـــسَ أَحَـــبَّ مِـــنْ حُـــرٍّ مُـــؤَاسٍ
إِلَـــى شَــعْــبٍ يُــسَــاءُ وَيُــسْــتَــضَــامُ
فَــقُــلْ لِلــسَّــاخِـطِـيـنَ عَـلَـى اللَّـيَـالِـي
وَمَــنْ سَــكَــنُــوا عَــلَـى يَـأْسٍ وَنَـامُـوا
سَــيَــنْـحَـسِـرُ الـضَّـبَـابُ عَـنِ الـرَّوَابِـي
وَيَـــبْـــدُو الْـــوَرْدُ فِـــيــهَــا وَالْــخَــزَامُ
وَيَـــصْـــفُـــو جَـــوُّنَــا بَــعْــدَ انْــكِــدَارٍ
وَيَــسْــقِــي أَرْضَــنَــا الْــمَــطَـرُ الـرِّهَـامُ
وَنَـــرْجِـــعُ أُمَّــةً تُــرْجَــى وَتُــخْــشَــى
وَإِنْ كَـــرِهَ الـــزَّعَـــانِـــفُ وَالـــطَّــغَــامُ

عن القصيدة

  • غرض القصيدة: الرثاء
  • طريقة النظم: عمودي
  • لغة القصيدة: الفصحى
  • بحر القصيدة: الوافر
  • عصر القصيدة: الحديث

عن الشاعر

إيليا أبو ماضي: واحد من أبرز شعراء المهجر الذين أثْرَوُا الشعر العربي في أوائل القرن العشرين بقصائدهم ودواوينهم.

ولد إيليا ضاهر أبو ماضي عام ١٨٩٠م في قرية «المحيدثة» إحدى قرى لبنان، في أسرة فقيرة معدمة، عانى معها الاغتراب منذ صغره. وحينما بلغ الحادية عشرة من عمره، رحلت أسرته إلى مصر، ونزلت الإسكندرية ثم انتقلت إلى القاهرة، حيث مارس فيها إيليا التجارة طلبًا للمال، فاتخذ محلًّا لبيع السجائر والدخان.

وقد كان إيليا منذ صغره محبًّا للعلم والتعلم، شغوفًا بالأدب والشعر، يستغل أوقات فراغه في حفظ الشعر ونظمه، ومطالعة كتب الأدب ودراستها. وقد رآه ذات مرة الأستاذ أنطون الجُميِّل يكتب الشعر أثناء عمله، فأعجب بشعره وحرص على نشره في مجلة الزهور التي كان يصدرها، وكانت تلك الخطوة فاتحة خير عليه، فظل يكتب الشعر وينشره طيلة ثمانية أعوام، ثم جمعه في ديوان أطلق عليه اسم: «تذكار الماضي».

وكان إيليا يتطلع إلى العيش في الولايات المتحدة الأمريكية، فهاجر من مصر إلى هناك وسكن مدينة «سنسناتي»، ثم انتقل بعدها إلى نيويورك ليلتقي بألمع رجال النخبة العربية التي هاجرت إلى هناك، أمثال: ميخائيل نعيمة، وجبران خليل جبران، ونسيب عريضة، وأحمد زكي أبو شادي وغيرهم، ليؤلف معهم ما أطلقوا عليه بعد ذلك: «الرابطة القلمية» التي كانت أبرز علامات الأدب العربي الحديث.

وفي نيويورك عمل إيليا نائبًا لرئيس تحرير جريدة «مرآب الغرب» وتزوج من السيدة دورا نجيب دياب ابنة صاحب الجريدة، وأنجب منها أربعة أولاد، وقد توجت جهوده الأدبية عام ١٩١٩م بإصدار «مجلة السمير» التي كانت تعد في ذلك الوقت أهم مجلة عربية في المهجر، والتي حوَّلها بعد ذلك إلى جريدة تصدر يوميًّا.

توفي إيليا أبو ماضي عام ١٩٥٧م في نيويورك إثر نوبة قلبية، تاركًا إنتاجًا أدبيًّا متميزًا قوامه أربعة دواوين، هي: «تذكار الماضي» و«ديوان إيليا أبي ماضي» و«الجداول» و«الخمائل»، وديوان خامس كان معدًّا للطبع أُطلق عليه: «تبر وتراب».

تسجيل الدخول إلى حسابك

Sad Face Image

قم بتسجيل الدخول ليبدأ التحميل، وتحصل على جميع مزايا ومحتوى هنداوي فاونديشن سي آي سي.

تسجيل الدخول إنشاء حساب

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤