وَحْيُ الْجِهَادِ

Wave Image
أَهَـبْـتِ بِـنَـا فَـلَـبَّـى وَاسْـتَـجَـابَا
شِـبَـالُكِ مِصْرُ وَاحْتَسَبُوا الشَّبَابَا
تَـدَفَّـقَ غَـيْـلُـهُـمْ بَـيْـنَ الْـمَـنَـايَـا
وُفُـودًا كَـانَ مِـنْـهَـا الْـمَـوْتُ قَابَا
وَكَــرُّوا كَــرَّةً أُولَــى فَــحَــالَــتْ
رُبُــوعُ الــنِّــيــلِ آجَــامًـا وَغَـابَـا
وَقَـدْ صَـدَحَ الـنَّـفِـيـرُ عَـلَى زَئِيرٍ
كَـصَـوْتِ الـرَّعْدِ عُنْفًا وَاضْطِرَابَا
يَـذُودُ عَـنِ الْـحِـمَى وَيَرُدُّ خَصْمًا
ظَـلُـومًـا يَـحْبِسُ الْحَقَّ اغْتِصَابَا
•••
تَــرَصَّــدَ لِــلْــمَــنِــيَّــةِ كُــلُّ حُــرٍّ
وَقَــدْ نَـشَـبَـتْـهُـمَـا ظُـفْـرًا وَنَـابَـا
وَكَــمْ مِـنْ قَـسْـوَرٍ وَرَدَ الْـمَـنَـايَـا
وَرَوَّعَ بَـطْـشُـهُ الـسَّـبُـعَ الـسِّغَابَا
إِذَا كَـرَّتْ عَـلَـيْـهِ الْـخَـيْـلُ فَـرَّتْ
وَإِنْ سَـامَ الْـجِـيَـادَ حَمَى الْعِرَابَا
وَآخَـرُ فِـي الْجَنُوبِ ثَوَى شَهِيدًا
فَـضَـجَّ الـنِّـيـلُ وَاجْـتَاحَ الرِّحَابَا
تَــرَنَّــحَ هَــاتِــفًــا لَــبَّـيْـكِ أُمِّـي!
فَـدَيْـتُكِ فَاسْلَمِي، وَهَوَى، وَغَابَا
رَوَى دَمُــهُ ثَـرَاكِ فَـفَـاحَ مِـسْـكًـا
وَأَيْـــنَــعَ رَوْضَــةً وَزَكَــا تُــرَابَــا
فَـيَـا أُمَّ الـشُّـبُـولِ! وَأَنْـتِ أَبْـقَـى
فِـدَاؤُكِ مَـنْ أُصِـيبَ وَمَنْ أَصَابَا
وَطُــوبَــى لِـلْأُلَـى ذَهَـبُـوا فِـدَاءً
إِلَـى الـرِّضْوَانِ وَاسْتَبَقُوا الثَّوَابَا
•••
بَـنِي وَطَنِي! أَرَى الْأَحْدَاثَ تَتْرَى
وَتَــزْجُــرُ كُــلَّـمَـا وَفَـدَتْ غُـرَابَـا
فَـفِـيـمَ نُـجَـدِّدُ الـذِّكْـرَى وَنَـتْـلُو
صَـحَـائِـفَـهَـا وَنَـطْـوِيـهَـا كِـتَابَا؟
عَــجِـبْـتُ لِأُمَّـةٍ تُـغْـضِـي حَـيَـاءً
وَقَــدْ حَـسَـرَ الْـعَـدُوُّ لَـهَـا نِـقَـابَـا
وَأَبْـــدَى نَــاجِــذَيْ لُــؤْمٍ وَغَــدْرٍ
وَأَلْـقَـى دُونَ حُـجَّـتِـهَـا حِـجَـابَـا
يُـــعَـــلِّـــلُـــهَـــا بِآمَـــالٍ كِــذَابٍ
وَيُــورِدُهَــا عَــلَــى ظَـمَأٍ سَـرَابَـا
يَـكِـيـدُ لَـهَـا وَيُـغْـرِيـهَا «بِحِلْفٍ»
يُــحِـلُّ لَـهُ الْـمَـرَافِـقَ وَالـرِّقَـابَـا!
•••
سَـلِ الْـحُـلَـفَـاءَ عَنْهَا يَوْمَ مَادَتْ
مَـعَـاقِـلُـهُـمْ وَقَدْ فَقَدُوا الصَّوَابَا
فَـهَـلْ وَجَـدُوا مُـعِـيـنًا أَوْ ظَهِيرًا
وَقَـدْ سَبَقُوا مَعَ الرِّيحِ السَّحَابَا؟
وَشُـتِّـتَ جَـيْـشُـهُـمْ بَـرًّا وَبَـحْـرًا
فَــمَـا ثَـبَـتُـوا وَلَا شَـقُّـوا عُـبَـابَـا
سَـلِ الـصَّحْرَاءَ عَنْهَا يَوْمَ طَارُوا
كَـطَـيْـرِ الْـعِـهْـنِ وَهْـنًـا وَانْسِيَابَا
وَلَـوْ نَـكَـثَـتْ بِـعَـهْـدٍ مَـا أَفَـاقُـوا
وَلَا غَـنِـمُـوا الـسَّـلَامَـةَ وَالْإِيَـابَـا
فَــكَــيْـفَ تَـنَـكَّـرُوا لِـلْـحَـقِّ لَـمَّـا
تَـرَاءَى الـنَّـصْـرُ وَانْطَلَقُوا ذِئَابَا؟
وَكَـيْـفَ اسْـتَـبْـدَلُـوا خَمْرًا بِخَمْرٍ
فَأَضْـحَى الْكَرْمُ غِسْلِينًا وَصَابَا؟
سَـلِ «الْـمِيثَاقَ» هَلْ حَمَلُوهُ حَيًّا
عَـلَى الْأَعْوَادِ أَمْ حَمَلُوا خِضَابَا؟
•••
بَـنِي وَطَنِي! حَلَفْتُ بِمِصْرَ ثُوبُوا
إِلَـيْـهَـا وَاسْـمَـعُـوا مِـنْـهَـا عِـتَـابَا
إِلَـى الدُّسْتُورِ! وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلٍ
مَــتِـيـنٍ مِـنْـهُ وَاغْـتَـنِـمُـوهُ بَـابَـا
فَـفِـي الـدُّسْـتُـورِ عِتْقٌ مِنْ إِسَارٍ
وَمِــنْ رِقٍّ إِذَا الْــحَــدَثَــانِ نَـابَـا
أَرَى الـدُّسْـتُـورَ هَـانَ عَلَى فَرِيقٍ
مِـنَ الـزُّعَـمَـاءِ ضَـلَّ هَوًى وَخَابَا
•••
إِلَامَ يَــسُــوسُــهَــا طُـلَّابُ غُـنْـمٍ
إِذَا حَـكَـمُـوا أَذَاقُـوهَـا الْـعَـذَابَا؟
وَإِنْ زَالُـوا وَزَالَ الْـحُـكْـمُ نَـاحُوا
عَلَى الدُّسْتُورِ وَانْتَحَبُوا انْتِحَابَا
وَمَــا ذَرَفُـوا الـدُّمُـوعَ عَـلَـيْـهِ إِلَّا
«كَـمَـا تَـصِـفُ الْمُعَدِّدَةُ الْمُصَابَا»
فَــلَا تُــصْــغُــوا لِــدَجَّـالٍ أَثِـيـمٍ
يُـــبَـــدِّلُ كُـــلَّ آوِنَـــةٍ ثِـــيَــابَــا
تَـجَـهَّـمَ «لِـلـزَّعَـامَـةِ» إِذْ رَمَـاهَـا
وَعَــيَّــرَهَــا سَــفَـاهًـا أَوْ سِـبَـابَـا
وَمَـا ضَـرَّ الـزَّعِـيـمَ عُـوَاءُ رَهْـطٍ
إِذَا سَـلِـمَـتْ وَجَـنَّـبَـهَـا الـصِّـعَابَا
هُـوَ الـسَّـيْـفُ الَّذِي صَقَلَتْهُ مِصْرُ
إِذَا شَـهَـرَتْـهُ أَسْـمَـعَـهَـا الْـجَـوَابَا
وَإِنْ رَاشَ الــسِّــهَــامَ لَـهَـا عَـدُوٌّ
تَـلَـقَّـى الـسَّـهْـمَ عَـنْـهَـا وَالْحِرَابَا
بَــنَــاهُ الــلـهُ مِـنْ صُـلْـبٍ وَعَـزْمٍ
يَــدُكُّ الـشُّـمَّ وَالْـقِـمَـمَ الـصِّـلَابَـا

عن القصيدة

  • طريقة النظم: عمودي
  • لغة القصيدة: الفصحى
  • بحر القصيدة: الوافر
  • عصر القصيدة: الحديث

عن الشاعر

عزيز فهمي: شاعر مصري امتازَ بإنتاجٍ شِعريٍّ وفير، حازَ على إعجابِ مُعاصِريه في النصف الأول من القرن العشرين؛ لا سيما عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين.

وُلِد «عزيز عبد السلام فهمي محمد جمعة» في طنطا عامَ ١٩٠٩م، وكان والده أحدَ قِياديِّي حزب الوفد. تلقَّى «عزيز» تعليمَه الأساسي في مَسقط رأسه، ثم انتقَلَ إلى القاهرة فأكمَلَ دراستَه بمدرسة الجيزة الثانوية، والْتَحقَ بعدَها بكلية الحقوق بجامعة القاهرة، وفي الوقت نفسه انتسب إلى كلية الآداب، فدرَسَ فيهما معًا، وبعدما حصل على ليسانس الحقوق سافرَ إلى فرنسا لدراسة القانون، وهناك حصل على الدكتوراه في القانون من جامعة السوربون عامَ ١٩٣٨م.

بعد عودته من فرنسا عمل بالنيابة، غيرَ أنه فُصِل من عمله بعدَ إقالة الحكومة الوفدية عامَ ١٩٤٤م، فاشتغل بالمحاماة، وانتُخِب لعضوية البرلمان المصري عن حزب الوفد عامَ ١٩٥٠م، وكانت له فيه صَولاتٌ وجَولاتٌ أشهَرُها دِفاعُه عن حُرية الصحافة؛ ما أوغَرَ صدْرَ المَلِك عليه، فاعتُقِل بتهمة العيب في الذات المَلكية إبَّانَ الحربِ العالَمية الثانية. وشارَكَ «عزيز» في تحرير الصُّحف والمَجَلات التي كان يُصدِرها حزبُ الوفد، وكان عضوًا في كتائب الفدائيِّين، واشترَكَ في عملياتٍ فِدائيةٍ استهدفَتْ معسكراتِ قواتِ الاحتلالِ الإنجليزي.

أمَّا شِعْره فيتنوَّع بينَ قصائدَ طويلةٍ ومتوسطةِ الطول، ويتَّجه إلى رِثاء النفس، والغَزَل العفيف، ومَدِيح أعلام عصره، وبخاصةٍ «طه حسين» و«حافظ إبراهيم»، ورثاء آخَرين، فضلًا عن بُروزِ النَّزْعةِ الوطنية في شِعره واهتمامِه بقضايا الوطن. وله قصائدُ نشرَتْها مَجلاتٌ عِدَّة، منها: «الرسالة»، و«الثقافة»، و«الإرادة»، و«السياسة»، وقد نُشِر معظمُ شِعره في ديوانه «ديوان عزيز» عَقِب وفاته، وقدَّمَ للديوان الدكتور طه حسين، الذي أبدى في كلمته أسًى كبيرًا على الشاعر المُجِيد، الذي تَخطَّفَتْه يدُ المَنُون عاجلًا عامَ ١٩٥٢م في العيَّاط جنوبي القاهرة غَرَقًا في تُرْعةٍ مائية، بعدَ انقلابِ سيارةِ الأجرة التي كان يَستقِلُّها أثناءَ مُحاوَلتِه اللَّحاقَ بقطارِ الصَّعِيد ليتمكَّنَ من التَّرافُع في إحدى القضايا.

تسجيل الدخول إلى حسابك

Sad Face Image

قم بتسجيل الدخول ليبدأ التحميل، وتحصل على جميع مزايا ومحتوى هنداوي فاونديشن سي آي سي.

تسجيل الدخول إنشاء حساب

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤