الفصل السادس

الويب

أول شبكة معلومات

ابتكر بول أوتليه — عالِم بلجيكي بالببليوجرافيا وناشِط سلام ورائِد في مجال علوم المعلومات — وزميله هنري لافونتين في ١٩٠٤ نظامَ التصنيف العشري العام القائم على نظام التبويب الأمريكي المستقَى من تصنيف ديوي العشري.1 روَّج أوتليه بقوةٍ لتبنِّي التصنيف العشري العام في أوروبا بتبويبِ ما هو أكثر من المعلومات الببليوجرافية عن الكتب والمقالات؛ إذ سعى إلى بسط نطاق نظام التصنيف العشري العام ليشمل الوسائط الأخرى مثل الصور والرسومات والأفلام. كان في الأصل نظامًا ورقيًّا من بطاقات الفهرسة التي حوَتْ معلومات عن ١٤ مليونَ قيدٍ متعدِّد الوسائط، جرى تصنيفها ويمكن ولوجها باستخدام التصنيف العشري العام. كان هذا النظام فريدًا من حيث إن التبويب الترافقي به كان السلف التناظري لروابط النصوص الفائقة الموجودة بمواقع الإنترنت اليومَ.2 في ١٩٣٤، اختمرت في رأسه فكرةٌ ثورية عن تحسين الوصول العام إلى هذه المعلومات؛ فاقترح بناءَ نظامٍ إلكتروني أطلق عليه «الشبكة الدولية للتوثيق العام»، من شأنه السماح للمستخدم «الجالس بمقعده بالتمكُّن من تأمُّل الكون بأسره».3 ابتكر منظومة تتيح للمستخدم إرسالَ برقية أو مهاتَفة مكتبة سيقوم مختصو الأرشيف بها بالبحث عن المعلومات المطلوبة، ثم يردُّون على العميل إلكترونيًّا. أطلق أوتليه على المكتبة اسم مندانيوم، ومثَّلَتْ أحد أوائل نُظُم النفاذ إلى المعلومات الإلكترونية والعملية بين العميل والمضيف، على الرغم من أن وسيلة تخزين المعلومات كانت بطاقات الفهرسة الورقية، التي كانت أحدث صيحة آنذاك.4
fig19
شكل ٦-١: مختصو الأرشيف يطَّلِعون على بطاقات الفهرسة الخاصة ﺑ ١٤ مليونَ قيدٍ، المبوبة في مندانيوم بول أوتليه في بروكسل. الصورة: إهداء من مندانيوم.
تنبَّأ أوتليه بإنشاء مكتبات وسائط ضخمة مرتبطة بشاشة عرض تليفزيونية لدى المستخدم عن طريق خطوط الهاتف والبرق. واستشرف مستقبلًا يمكن فيه ربْطُ جميع المعلومات ترافقيًّا عن طريق كلمات مفتاحية، ويمكن النفاذ إليها حال طلبها بالاستعانة بالوسائط الإلكترونية. وقد صرَّح أوتليه قائلًا:
الصور والراديو والتليفزيون والهاتف، هذه الأدوات التي تُعتبَر بديلةً عن الكتاب، ستكون هي الكتاب الجديد، وأعظم ابتكارٍ لنشر الفكر البشري؛ ستكون المكتبة المُشِعَّة والكتاب المتلفز.5
fig20
شكل ٦-٢: بول أوتليه الحالم، صاحب فكرة ابتكار الببليوجرافيا المتاحة للنفاذ عالميًّا لكل المعارف البشرية وأعمالها الخلَّاقة. المصدر: إهداء من مندانيوم.
إنْ كان قد كُتِب لأوتليه العيش حتى يومنا هذا، أتوقَّع أنه كان سيُسَر كثيرًا وهو يتصفَّح الإنترنت على الكمبيوتر اللوحي، أو وهو مُمسِك بقارئ إلكتروني في يده بوصفه تجسيدًا لأحلامه في ثلاثينيات القرن الماضي. حمل أوتليه رؤيةً لمستقبل معلوماتي ما كان لتكنولوجيا الراديو والهاتف في عصره أن تدعمها دون مشكلات؛ رؤيةً آتت ثمارها في عصر الكمبيوتر الشخصي بعد عام ١٩٧٣. كان أوتليه رائدًا في استخدام المصطلحات لربط المعلومات ترافقيًّا (ما عُرِف فيما بعدُ باسم «النص الفائق»)، وربط الصور والأفلام بالنص فيما يُعرَف الآن بالوسائط المتعددة. والمأساة أن قاسمًا كبيرًا من مندانيوم والعمل الذي كرَّسَ له أوتليه حياته في «القصر العالمي» (الاسم السابق للمندانيوم) في بروكسل؛ دُمِّرَ إبَّان الاحتلال الألماني لبلجيكا خلال الحرب العالمية الثانية. والنماذج التي لا تزال باقيةً من فهرس البطاقات وغيره من الأدوات الشخصية، موجودةٌ في مونس في بلجيكا، في متحف مخصَّص للمندانيوم وعبقرية أوتليه الخلَّاقة.6

حلم تيد نيلسون بزانادو ونظام أونلاين سيستم الذي ابتكره دوجلاس إنجلبارت

بدأ تيد نيلسون، عالم المعلومات، دراسةَ طرائق ربط المعلومات والنفاذ إليها بالاعتماد على الكمبيوتر عندما كان طالبًا بالسنة الأولى للدراسات العليا بجامعة هارفرد في ١٩٦٠.7 بالبناء على فكرة فانيفار بوش — أَلَا وهي تكوين «سجلات» لعلاقات المعلومات باستخدام تكنولوجيا ميمكس المقترحة — سكَّ تيد نيلسون مصطلحَ «النص الفائق» عام ١٩٦٥، للإشارة إلى نصٍّ بمستندٍ سيقود القارئ إلى معلومات أخرى ذات صلة.8 صُمِّم مشروعُ نيلسون المسمَّى زانادو كوسيلةٍ للنفاذ للمعلومات على أساس عالمي باستخدام النص الفائق، مع دفع عائد بسيط إلى المؤلِّفين لقاء اطِّلاع القرَّاء على ما كتبوه.9 كان حلم نيلسون فريدًا من منطلق أنه تخطَّى النصَّ الفائق متطلِّعًا نحوَ إمكانية الربط بين كل الوسائط من خلال ما أطلق عليه «الوسائط الفائقة»، وهو مصطلح لا يُستخدَم اليومَ على نطاق واسع، لكن يألفه أيُّ مستخدِم للإنترنت ينقر على روابط الإنترنت المدمجة من أجل الاطِّلاع على الصور أو الموسيقى أو مقاطع الفيديو. وحاوَلَ نيلسون إيضاحَ فكرته في إصدار له عام ١٩٩٢:
حاليًّا أصبحَتْ كلمة «نص فائق» مقبولةً عامةً لتوصيف «تشعُّب واستجابة» النص، لكن الكلمة المناظرة «الوسائط الفائقة» التي تعني مجموعاتٍ معقدةً من الرسومات والأفلام والأصوات — إضافةً إلى النصوص — المتشعبة والمستجيبة؛ أصبحَتْ أقلَّ استخدامًا بكثير. وعوضًا عن ذلك يستخدم الناسُ المصطلحَ الغريب «الوسائط المتعددة التفاعلية»، وهو مصطلح أطول ولا يعبِّر عن التوسع في فكرة النص الفائق.10
على الرغم من أن مشروع زانادو تطوَّر من خلال سلسلة من التكرارات البرمجية في ثمانينيات القرن العشرين وتسعينياته، فقد فشل في بلوغ استخدامٍ واسعِ النطاق، وفشل على المستوى التجاري.11 النص الفائق اسمٌ مألوف لمستخدمي شبكة الإنترنت اليومَ، وبالتأكيد يألف أغلبُهم البادئةَ http://www… التي تستهل أغلب عناوين الإنترنت. والبادئة http هي اختصار لبروتوكول نقل النص الفائق، وعناوين الإنترنت العالمية كلها هي عرفان وتقدير لتيد نيلسون وابتكاره للنص الفائق في ستينيات القرن العشرين. وذيوع انتشار الشبكة العنكبوتية العالمية في أوائل تسعينيات القرن العشرين خلق في النهاية الكونَ المعلوماتي المرتبط بالنصوص الفائقة، الذي تنبَّأ به بول أوتليه وفانيفار بوش وتيد نيلسون.
fig21
شكل ٦-٣: تيد نيلسون يُلقِي كلمةً بجامعة كيئو باليابان في ٢٠١١. الصورة: دانييل جيز.
fig22
شكل ٦-٤: دوجلاس إنجلبارت في ١٩٨٤ مُمسِكًا بيده اليسرى نموذجًا أوليًّا من فأرة الكمبيوتر، من تصنيع مركزه لأبحاث التعزيز بمعهد ستانفورد للأبحاث. كان إنجلبارت ومركز أبحاث التعزيز رائدَيْن في حقل التفاعُل بين الإنسان والكمبيوتر. المصدر: كريستينا إنجلبارت.
عندما توجَّهَ جيه سي آر ليكلايدر للعمل لحساب وكالة أربا بالبنتاجون في ١٩٦٢، كان من أوائل المتقدِّمين للحصول على تمويل علوم الكمبيوتر دوجلاس إنجلبارت من معهد ستانفورد للأبحاث.12 إبَّان خدمة إنجلبارت بالحرب العالمية الثانية كفنيِّ رادار، كان قد قرأ مقالَ فانيفار بوش «كما قد نطمح» في إصدار يوليو ١٩٤٥ من مجلة «لايف»، وكان له أبلغ الأثر عليه.13 وكفَنِيِّ رادار، عمل يوميًّا على نُظُم عرضٍ رسومية إلكترونية، على الرغم من أنها كانت بدائيةً في تلك المرحلة المبكرة من تطورها. في ١٩٥٠، بينما كان إنجلبارت يعمل بمركز أبحاث إيمز في ماونتن فيو بكاليفورنيا، تجلَّى له خاطرٌ؛ حيث رأى نفسه جالسًا إلى شاشة تعمل بتقنية أنابيب أشعة الكاثود، بإمكانها أن تعرض المعلومات وتعالجها إلكترونيًّا.14 وقد ذكر في وقتٍ لاحق أن النظام الذي تصوَّره من شأنه أن يستبدل الميكروفيلم كوسيلة لتخزين المعلومات (بحسب تصميم فانيفار بوش في مشروعه ميمكس)، وسيكون التخزين والمعالجة باستخدام الكمبيوتر.15 وسيشمل ذلك القدرةَ على تكوين «سجلات ترابطية» (كما أطلق عليها بوش) إلكترونية لربط المعلومات المتصلة معًا. وبحسب تصريح إنجلبارت لاحقًا إلى المحاور هاورد راينجولد:
بدأتُ أضع مخططًا لنظامٍ يرسم لك فيه الكمبيوتر رموزًا على الشاشة، وبوسعك تولِّي زمام النظام بحيث ينتقل بين نطاقات مختلفة باستخدام مقابض ورافعات ومحوِّلات. كنتُ أصمِّم جميعَ أنواع المهام التي قد ترغب في فعلها إنِ امتلكتَ هذا النظام … كيف تُوسِّع النظام إلى بيئة شبيهة بالمسرح، مثلًا، حيث يمكنك أن تجلس مع زميلٍ لك وتتبادلا المعلومات. يا للعجب! تأمَّلْ كيف كان ذلك سيتيح لك الاستقلالية والفاعلية في حل المشكلات.16

طوَّر إنجلبارت من رؤيته إلى فكرةٍ لنظام قائم على الكمبيوتر سيجمع القدرة على معالجة النصوص والصور إلكترونيًّا على نحوٍ سيعزِّز من العقل البشري. طبِّقْ هذه الفكرة على العصر الحالي وسترى عالَمًا من الكمبيوترات المتصلة تتمتَّع بواجهات مستخدِم رسومية تؤدِّي بالضبط الوظيفةَ التي تصوَّرها إنجلبارت في خمسينيات القرن العشرين. طبِّقِ الفكرةَ على المستقبل وسيكون بوسعك تخيُّل محقِّق الشرطة جون أندرتون (الشخصية التي جسَّدها توم كروز) في فيلم «تقرير الأقلية» (مينورتي ريبورت) يستخدم واجهة كمبيوتر ثلاثية الأبعاد، يبدو أنها تطفو في الهواء. كانت مشكلة إنجلبارت في عام ١٩٥٠ هي أنَّ رؤيته الفريدة هذه كانت سابقةً على تكنولوجيا الحوسبة في ذاك العصر.

سجَّلَ إنجلبارت في برنامج للدراسات العليا بجامعة كاليفورنيا ببيركلي في تخصُّص الهندسة الكهربية مع تركيزه على الكمبيوترات. ولما كان خريجًا حديثًا في أكتوبر من عام ١٩٥٧، استعان به معهد ستانفورد للأبحاث في بالو ألتو، وأجرى باكورةَ أبحاثه على الأجهزة المنطقية المغناطيسية. قرَّرَ إنجلبارت العملَ على أفكاره حول تعزيز التفاعل بين الإنسان والكمبيوتر حتى عام ١٩٥٩؛ إذ حذَّره أحدهم مع بداية عمله بالمعهد من أن تلك الأفكار لن تَلْقَى على الأرجح ترحيبًا هناك.17 وبالاستعانة بالتمويلِ من هيئة الأبحاث العلمية التابعة لسلاح الجو الأمريكي، والدعمِ الذي ناله حديثًا من رؤسائه في معهد ستانفورد للأبحاث؛ أنشأ إنجلبارت مركزَ أبحاث التعزيز، وكان تركيزه الأساسي على التفاعل بين الإنسان والكمبيوتر — أي الواجهة المشتركة بين الحواس البشرية والكمبيوتر — الذي كان الموضوعَ الرئيسي لمقال ليكلايدر ذي الرؤية المستقبلية «التكافل بين الإنسان والكمبيوتر» في ١٩٦٠.18 وعلى الرغم من أن تكنولوجيا الكمبيوتر المبكرة صُمِّمت لتخزين ومعالجة البيانات، أكَّد إنجلبارت على أن البشر تفوَّقوا في استخدام منهجَي «الحدس» و«المحاولة والخطأ» في حل المشكلات.19 وقد شعر أن ذكاء الآلة يمكنه أن يعزِّز قدرةَ البشر على التعامُل مع طوفان المعرفة المتنامي بغرضِ حلِّ المشكلات التي تواجهها البشرية. تسرَّبَتْ هذه الأفكارُ مباشَرةً من بول أوتليه وفانيفار بوش إلى كلٍّ من إنجلبارت وليكلايدر.
لهذا الغرض، ابتكَرَ إنجلبارت وفريقه بمركز أبحاث التعزيز منظومةَ «أونلاين سيستم» (إن إل إس) التي صُمِّمت كي تتيح للمستخدم استغلالَ قدرة الأنظمة الرقمية في إنشاء المستندات وتخزينها ومراجعتها. يصف الاستخدامُ المعاصِر لكلمة online «أونلاين» أيَّ نشاطٍ يتم أثناء الاتصال بشبكة تفاعلية رقمية، لا سيما الإنترنت، ويعود أصلُ الكلمة إلى إنجلبارت ومركز أبحاث التعزيز.20 ارتقَتِ المنظومة بمفهوم النص الفائق إلى مستوياتٍ جديدة بطرق عملية جدًّا عبر ربْطِ الكلمات المفتاحية بين المستندات وقواعد البيانات ذات الصلة. وعلى الرغم من أن قدرًا كبيرًا من الاهتمام آنذاك (والآن) انصبَّ على تطويرِ مركز أبحاث التعزيز لأدوات الواجهة مثل الفأرة الرقمية والنص المكتوب بخط أسود على شاشات العرض البيضاء، فكثيرًا ما تُغفَل رؤيةُ التطبيقِ العملي للنص الفائق — أَلَا وهو تعزيز الذكاء البشري، على يد إنجلبارت وفريقه بمعهد ستانفورد للأبحاث — على أنه خطوة جبَّارة إلى الأمام في تاريخ تكنولوجيا المعلومات والاتصالات.
في مؤتمر الكمبيوتر المشترك في الخريف الذي عُقِد بمركز المؤتمرات في سان فرانسيسكو في ٩ ديسمبر ١٩٦٨، نظَّم إنجلبارت وأعضاءُ فريق مركز أبحاث التعزيز (الذين اتخذوا مراكزهم بقاعة المؤتمرات ومعهد ستانفورد للأبحاث) عرضًا متصلًا بشبكةٍ لمنظومة «أونلاين سيستم» أمام حضور غفير من ١٠٠٠ شخصٍ امتلأَتْ بهم القاعةُ. ارتدى إنجلبارت سماعتَيْ رأسٍ ليروي العرض، كانت شاشة الكمبيوتر معروضةً على شاشةِ عرضٍ ضخمة في مقدمة القاعة.21 وعلى الرغم من أن بعض أجزاء العرض اتسمت بشيء من البطء والملل أحيانًا، واضطر إلى التعامُل مع بعض المشكلات البرمجية؛ فإن العرض كان مذهلًا للحضور. كانوا يشهدون مستقبلَ الحوسبة ومعالجة النصوص والتطبيق المبتكر للنص الفائق. كانت المرة الأولى لكثيرٍ من الحضور التي يتعرضون فيها لاستخدام الفأرة، والعروض الرسومية، ومعالجة النصوص، والبريد الإلكتروني، وعقد اجتماعٍ عن بُعْد. منذ ذاك الحين عُرِف العرض باسم «عرض العروض الثاني»، وذاعت شهرة إنجلبارت لدى دوائر الحوسبة في منطقة خليج سان فرانسيسكو.22
بيَّن إنجلبارت قدرةَ الكمبيوتر على معالجة وعرض المعلومات، ثم حاوَلَ تحري كيفية تشبيك هذه الأنظمة المرتبطة بشبكة. في أبريل من عام ١٩٦٧، باجتماعٍ لكبار باحثي وكالة أربا استضافه روبرت تايلور في آن آربر بميشيجان، طرح إنجلبارت تطوُّعَ مركزِ أبحاث التعزيز لاستضافة مركز معلومات الشبكات (إن آي سي) لشبكة أربانت.23 وبوصفه المنشأة البحثية الرئيسية التابعة لوكالة أربا، كان معهد ستانفورد للأبحاث من أوائل المواقع التي جرى ربطها بالشبكة الوطنية الجديدة. لعب إنجلبارت وطاقمُ عمل مركز أبحاث التعزيز دورًا محوريًّا في تطوير مركز معلومات الشبكات ليكون مستودعًا متاحًا على شبكة (أونلاين) للبيانات حول الشبكة وعملياتها اليومية. في حين أن جامعة كاليفورنيا بلوس أنجلوس نالت شرفَ كوْنِها أولَ نظامٍ مضيفٍ على شبكة أربانت، يغفل كثيرون أن نقطةَ الاتصال الأخرى كانت بمعهد ستانفورد للأبحاث. وقد صرَّح فينتون سيرف، مبتكر بروتوكولَيِ التحكم بالإرسال والإنترنت، أن ابتكار إنجلبارت لأونلاين سيستم ومركز معلومات الشبكات كان عاملًا حيويًّا في تشييد شبكة أربانت، وأنه ينبغي أن ينال شرفًا مكافئًا لدوره المحوري في ابتكار الإنترنت.24

وعلى الرغم من أن صيت إنجلبارت ذائعٌ اليومَ بوصفه «مخترعَ» الفأرة كأداةٍ مستخدَمة على نطاق عريض للتفاعل بين الإنسان والكمبيوتر، تغفل هذه النظرةُ الضيقة مساهماته في التفاعل بين الإنسان والكمبيوتر، لا سيما النص الفائق. بعد ٥٠ عامًا من الآن، ربما ستُعتبَر الفأرة تحفةً أثرية تثير الإعجاب لغرابتها، تعود إلى الأيام الأولى للحوسبة الشخصية في الوقت الذي سنكون فيه على تواصل لاسلكي باستخدام أنظمة رقمية واسعة الانتشار، ونرتدي عصابات رأس لا نكاد نلحظها تقرأ موجات أمخاخنا. في المستقبل لن يركِّز كثيرًا طلابُ تاريخ تكنولوجيا المعلومات على الأدوات بعينها التي اخترعها إنجلبارت وفريقه في مركز أبحاث التعزيز، وسيركِّزون أكثر على الدور المحوري الذي لعبوه في جعل الكمبيوتر أداةً أيسر كثيرًا في استخدامها لحل مشكلات البشر؛ سواء أكانت المهمة تقليديةً مثل دفع فاتورة استهلاك منزلي شهرية، أم محاولة فهم التغيُّرات في مناخ الكوكب. وأفكاره حول تعزيز الذكاء البشري ارتقَتْ بتنبُّؤات بول أوتليه وفانيفار بوش وجيه سي آر ليكلايدر على مستوًى عميق، وساعدَتْ على تمهيد الساحة لابتكار الإنترنت والشبكة العنكبوتية العالمية.

ابتكار الويب

في الأيام الأولى لشبكة أربانت، تمكَّنَ الفيزيائيون بجامعة إلينوي (نقطة اتصال على شبكة أربانت) من الاتصال خلسةً بدوائر الفيزيائيين بمركز أبحاث المنظمة الأوروبية للأبحاث النووية الكائن بالقرب من جينيف بسويسرا، التي لم تكن جزءًا من شبكة أربانت في بدايتها. والدوائر الدولية للفيزيائيين لصيقة بعضها ببعض، ويتعاونون على نحوٍ منتظم في مشروعات الأبحاث. كان لا بُد أن يكون الاتصال سريًّا لأن شبكات الاتصال العامة في أوروبا حظرت إجراءَ اتصالٍ بتقنية تبديل حِزَم البيانات مباشَرةً بين العلماء في إلينوي والعلماء في المنظمة الأوروبية للأبحاث النووية.25 أُرسِلت الرسائل والملفات من إلينوي إلى مختبر رذرفورد بجامعة كمبريدج في المملكة المتحدة (نقطة اتصال على شبكة أربانت)، ثم أُعِيد إرسالها من رذرفورد إلى المنظمة الأوروبية للأبحاث النووية. أصبح العلماء بالمنظمة امتدادًا غير رسمي لشبكة أربانت، وتتبع فريق العمل في جينيف التطورات الحادثة في الولايات المتحدة مع توسُّع الشبكة في سبعينيات القرن العشرين.
كان أحدَ أعضاء الفريق عالِمٌ شاب حاصل على درجة في الفيزياء من جامعة أكسفورد، ويحمل شغفًا كبيرًا باستكشاف إمكانيات استخدام النص الفائق في الأنظمة المرتبطة بشبكات. عمل تيم بيرنرز-لي مبرمجًا للكمبيوتر في المملكة المتحدة عقب تخرُّجه في ١٩٧٦، وبعدها التحق بالعمل لدى المنظمة الأوروبية للأبحاث النووية لمدة ٦ أشهر في ١٩٨٠ كعالِم كمبيوتر متعاقد. ابتكَرَ نظامًا برمجيًّا أطلق عليه «إنكواير» (بمعنى اسأل) تيمُّنًا بكتابٍ محبَّب إليه من طفولته: «سَلْ عن كل شيء».26 كان الكتاب دليلًا يعود إلى عام ١٨٩٠ في العصر الفيكتوري حول كل أشكال المعارف الضرورية، من إزالة البقع بالأقمشة إلى الاستثمارات المالية. أحَبَّ بيرنرز-لي تركيزَ الكتاب الموسوعي (على الرغم من أنه كان بدائيًّا في ذاك الوقت)، وشبَّهه ﺑ «بوابة سحرية تطلُّ على عالمٍ من المعلومات».27 ضمَّ نظامُ «إنكواير» بعضَ المفاهيم التي طوَّرها بيرنرز-لي لاحقًا إلى النموذج الأولي من الويب، بما في ذلك استخدام الروابط الفائقة للإبحار داخل قاعدة المعلومات، لكنها لم تكن تكنولوجيا متاحة للجمهور.
fig23
شكل ٦-٥: تيم بيرنرز-لي بمؤتمر تيد بكاليفورنيا عام ٢٠٠٩. الصورة: فيني ماركوفسكي.
بعد العمل بالمملكة المتحدة كعالِم كمبيوتر بين عامَيْ ١٩٨٠ و١٩٨٤، عاد بيرنرز-لي إلى العمل بالمنظمة الأوروبية للأبحاث النووية لتطوير الأفكار التي أصبحت الشبكة العنكبوتية (الويب). وفي مايو ١٩٩٠، قدَّم بيرنرز-لي، بالاشتراك مع زميله البلجيكي روبرت كايلي، مقترحًا مراجَعًا إلى المديرين في المنظمة الأوروبية من أجل إنشاء نظامٍ عالميٍّ لمشاركة المستندات أطلَقَا عليه «ميش».28 وُوفِق على المقترح في ١٩٩٠، واشترى بيرنرز-لي كمبيوترًا كان بمعايير ذلك الوقت أحدثَ صيحةٍ، اسمه «نيكست»، طوَّرته شركة يقودها ستيف جوبز (لها سمعة شركة أبل). وباستخدام نظام تشغيل «نيكست ستيب»، كتب بيرنرز-لي كود لغة HTML لإنشاء متصفِّح ومحرِّر نصوص لما أطلق عليه الشبكة العنكبوتية العالمية، وبدأ مشروعه العمل في ٢٥ ديسمبر ١٩٩٠.29 كما أصبح الكمبيوتر «نيكست» أول خادم على الشبكة العنكبوتية الجديدة. كما جرى تطوير أول موقع للويب مُنشأ خصيصًا من أجل المنظمة الأوروبية للأبحاث النووية وبدأ العمل به في أغسطس ١٩٩١.
fig24
شكل ٦-٦: مخطط تمثيلي أعَدَّه تيم بيرنرز-لي لمنظومة «ميش» لمشاركة المستندات بالمنظمة الأوروبية للأبحاث النووية، التي أصبحَتِ الشبكة العنكبوتية العالمية. لاحِظ الإحالات إلى النص الفائق والوسائط الفائقة في السحب إلى اليسار. المصدر: المنظمة الأوروبية للأبحاث النووية.
عندما طُلِب من بيرنرز-لي إجمالُ مساهماته في تطوير الويب، قال بتواضُعٍ:
كلُّ ما في الأمر أنه كان عليَّ الربط بين فكرة النص الفائق وفكرتي بروتوكول التحكم بالإرسال واسم النطاق؛ ثم … كانت الشبكة العنكبوتية العالمية.30
المخترعون يبنون في الواقع على اكتشافات مَن سبقوهم، وابتكار الشبكة العنكبوتية العالمية كان قائمًا على الأفكار والمساهمات السابقة لبول أوتليه وفانيفار بوش وتيد نيلسون ودوجلاس إنجلبارت وستيف جوبز وغيرهم مئات من علماء الكمبيوتر، فضلًا عن روبرت كايلي، شريك بيرنرز-لي وأشد نصير له بالمنظمة الأوروبية للأبحاث النووية. وبينما يكشف الباحثون ما بعد الحداثيين في أحيان كثيرة زيف النموذج التاريخي للابتكار القائم على نظرية «الرجل العظيم» (نظرية تقوم على افتراض أن التغيرات الجوهرية التي طرأت على حياة المجتمعات الإنسانية إنما تحقَّقَتْ عن طريق أفراد وُلِدوا بمواهب فذَّة، وأن هذه المواهب والقدرات لا تتكرَّر في أناس كثيرين على مر التاريخ)، لافتين الانتباه إلى المساهمات الكبيرة التي قدَّمها السابقون على المخترع وأقرانه؛ فإن ذلك يخفت من بريق التأثير الدرامي الذي يقع على المجتمع من قِبَل شخص وحيد يتمتع بالمهارات المناسبة ويمتلك الفكرة السديدة في الوقت المواتي (وفي جعبته الأدوات الملائمة لتحقيق ذلك). اجتمعَتْ هذه العوامل كلها من أجل تيم بيرنرز-لي بالمنظمة الأوروبية، وسرعان ما استعان الفيزيائيون حول العالم بالويب كوسيلةٍ فعَّالةٍ لمشاركة المستندات ذات الروابط التشعبية. عمل هذا الابتكار التكنولوجي على مختلف منصات الكمبيوتر ونُظُم التشغيل، ما دام المستخدم يستخدم البروتوكولات الأساسية لإنشاء صفحات باستخدام كود HTML ولعرض المستندات للمستخدمين. كانت الويب في البداية نظامًا لمشاركة المستندات النصية، لكن مع مرور الزمن أصبحت منصةً متعددةَ الوسائط قادرةً على عرض الصور والرسومات والوسائط المتحركة.

متصفح موزايك وخدمة أمريكا أونلاين وازدهار الويب

جدول ٦-١: مضيفات الإنترنت. (المصدر: بيانات مضيف الإنترنت بتصريحِ استخدامٍ من شركة إنترنت سيستمز كونسورتيوم. النقاط المميزة بالداكن تعود للمؤلف)
١٩٨١ ٢١٣
١٩٨٢ ٢٣٥
١٩٨٣ ٥٦٢
١٩٨٤ ١٠٢٤
١٩٨٥ ١٩٦١
١٩٨٦ ٢٣٠٨
١٩٨٧ ٥٠٨٩
١٩٨٨ ٢٨١٧٤
١٩٨٩ ٨٠٠٠٠
١٩٩٠ ٣١٣٠٠٠ (ابتكَرَ تيم بيرنرز-لي «ميش» بالمنظمة الأوروبية للأبحاث النووية.)
١٩٩١ ٥٣٥٠٠٠ (أول موقع على الشبكة العنكبوتية العالمية يتصل بالشبكة بالمنظمة الأوروبية للأبحاث النووية.)
١٩٩٢ ٧٢٧٠٠٠
١٩٩٣ ١٣١٣٠٠٠ (إطلاق إصدارَيْ أمريكا أونلاين (إيه أو إل) ١٫٠ للويندوز، و٢٫٠ للماكنتوش في يناير، والمركز الوطني لتطبيقات الحوسبة الفائقة يطرح المتصفح موزايك في فبراير.)
١٩٩٤ ٢٢١٧٠٠٠
١٩٩٥ ٤٨٥٢٠٠٠
١٩٩٦ ٩٤٧٢٠٠٠ (تقاضي أمريكا أونلاين رسمًا شهريًّا ثابتًا قدره ٢٠ دولارًا مقابل الاستخدام.)
١٩٩٧ ١٦١٤٦٠٠٠
١٩٩٨ ٢٩٦٧٠٠٠٠
١٩٩٩ ٤٣٢٣٠٠٠٠
٢٠٠٠ ٧٢٣٩٨١٠٠*
٢٠٠١ ١٠٩٥٧٤٥٠٠*
٢٠٠٢ ١٦٢١٢٨٥٠٠ (إصدار أمريكا أونلاين يبلغ ٢٧ مليونَ مشتركٍ أمريكي)*
٢٠٠٣ ١٧١٦٣٨٣٠٠*
٢٠٠٤ ٢٣٣١٠١٠٠٠*
٢٠٠٥ ٣١٧٦٤٦١٠٠*
٢٠٠٦ ٣٩٤٩٩١٦٠٠*
٢٠٠٧ ٤٣٣١٩٣٢٠٠*
٢٠٠٨ ٥٤١٦٧٧٤٠٠*
٢٠٠٩ ٦٢٥٢٢٦٥٠٠*
٢٠١٠ ٧٣٢٧٤٠٤٠٠*
٢٠١١ ٨١٨٣٧٤٢٦٩
بالتقريب إلى أقرب مائة.
على عكس الإنترنت (الذي استغرق عقدًا من الزمان ليبلغ الصورة المواتية لتبنِّيه)، كان منحنى تبنِّي الشبكة العنكبوتية العالمية بالغَ السرعة.31 لاحِظْ في الجدول ٦-١ الزيادةَ الضخمة في أنظمة المضيفات بعد ابتكار الويب في ١٩٩٠. من عام ١٩٩٢ حتى ١٩٩٧ حدث شبهُ تضاعُفٍ لعدد أجهزة الكمبيوتر المضيفة كلَّ عام. اختُرِع متصفح موزايك في ١٩٩٢ على يد فريقٍ بالمركز الوطني لتطبيقات الحوسبة الفائقة بجامعة إلينوي بإربانا-شامبين.32 كانوا تحت قيادة مارك أندريسن، طالب الدراسات العليا، وعضو الفريق إيريك بينا. في الوقت الذي استغل أندريسن المجموعات الإخبارية لاستطلاع رأي مستخدمي الويب حول ما ينشدونه في متصفح إنترنت محسَّن، كتب بينا الكودَ الضروري لتفعيل هذه الوظائف. عندما أطلق المركز الوطني لتطبيقات الحوسبة الفائقة متصفح موزايك على الشبكة في فبراير ١٩٩٣، حقَّقَ نجاحًا فوريًّا من حيث الاستخدام، وبحسب ما قال تيم بيرنرز-لي:
حاولتُ تحقيقَ ذلك في المنظمة الأوروبية للأبحاث النووية. لم أواجِه مشكلات في التنزيل والتثبيت، ولم أحتَجْ سوى قدرٍ بسيطٍ من التعلُّم قبل أن أتمكَّن من النفاذ إلى الويب بالاستعانة بواجهة التأشير والنقر. ونظرًا لهذه السمات التي حظي بها متصفح موزايك، بادَرَ المستخدمون باستخدامه أسرع من أي متصفح آخَر. تمتَّعَ متصفح موزايك بأكثر من السمات المنتظرة في المتصفح.33

لاحِظِ الزيادةَ الضخمة في عدد مضيفات الكمبيوتر في ١٩٩٣ لأكثر من مليون، بعد أن كان لا يتجاوز ٧٢٧ ألفًا في ١٩٩٢. كانت الويب أداةً قوية وانتشارُ المتصفحات المحسَّنة مثل موزايك أذكى تضاعُفَ الأنظمة المضيفة في ذاك العام الحاسم.

ثمة ابتكار حيوي آخَر أثَّر على الازدهار السريع للشبكة العنكبوتية العالمية في الولايات المتحدة، وهو طرح خدمة إنترنت الطلب الهاتفي الجديدة في ١٩٩٣، التي أُطلِق عليها «أمريكا أونلاين» (إيه أو إل).34 وهي موقع معروف بأنه «منصة مغلقة» من حيث إنه يوفر محتوًى وخدماتِ اتصالٍ فريدةً (غُرَف الدردشة الحصرية) لعملائه الذين يسدِّدون الرسوم. كانت الخدمة بالنسبة إلى مستخدمي الإنترنت لأول مرة في التسعينيات أشبهَ بوسيلةِ مساعدةٍ وفَّرت إمكانية الاستفادة من مجموعة واسعة متنوعة من خدمات المعلومات على الإنترنت بنقرة واحدة. سهلت الخدمةُ الدخولَ إلى غرف الدردشة وأنظمة لوحات النشرات التي اكتسبَتْ شعبيةً في نهاية ثمانينيات القرن العشرين، وتميَّزَتْ بواجهة مستخدِم رسومية سهلة الاستخدام، كانت إحدى الميزات الرئيسية التي دفعت العملاءَ إلى اختياره على نطاقٍ واسعٍ في ذاك العصر. ونتيجةً لأن الشركة كانت واحدةً من أولى الشركات التي دخلت مجال التسويق الجماهيري لاستخدام الإنترنت (إلى جانب شركة كمبيوسيرف وبضع شركات أخرى)، شهدت خدمةُ أمريكا أونلاين ازدهارًا سريعًا بعد ١٩٩٦، عندما تحوَّلَتْ إلى تطبيقِ رسمٍ ثابتٍ مقداره ٢٠ دولارًا شهريًّا لاستخدام الإنترنت. ثمة مأْخَذٌ كبير على خدمة أمريكا أونلاين، أَلَا وهو تشديدها — بوصفها منصةً مغلقةً — على خدماتها المسجلة الملكية وحظرها الوصول إلى بقية شبكة الإنترنت. ارتفع عدد المشتركين بها ارتفاعًا كبيرًا إلى ٢٧ مليونًا في ٢٠٠٢، وانخفض بشكل مطرد إلى ٤٫١ مليون في ٢٠١١.35 أصبحت الويب وآلافٌ من خدماتها المتصلة متاحةً بسهولةٍ، لدرجةِ أن خدمات المنصات المغلقة مثل أمريكا أونلاين أصبحَتْ لا تواكِب العصرَ مع مطلع القرن الحادي والعشرين.

إصدار الويب ٢٫٠ ومعمارية المشاركة

إن كانت الشركات مثل أمريكا أونلاين تمثِّل عالم الإصدار الأول للويب (المعروف بالويب ١٫٠)؛ فإن مجموعةً ضخمةً من الخدمات المبتكرة تساعد على تحديد الطبيعة المتشكِّلة للويب في القرن الجديد.

مصطلح إصدار الويب ٢٫٠ يصف تطوُّرَ الويب من بيئةٍ ساكنةٍ قائمة على علاقة طرفٍ بأطراف متعددة، إلى كونٍ متصل تشارُكي تفاعُلي قائم على علاقة أطراف بأطراف.36 وسَّعَ تيم أوريلي من هذه الفكرة في مقالٍ نشره في ٢٠٠٤ بعنوان «معمارية المشاركة»، كتب فيه أن البساطة النسبية لتكويد لغة HTML جعلت الويب مجتمعًا مفتوحَ المصدر بالأساس؛ حيث يمكن لأي شخصٍ مُلِمٍّ باللغة إضافة محتوًى.37 لقد بلغ بنا التقدُّم الآن مرحلةً لم يَعُدِ التكويدُ فيها مطلوبًا؛ إذ إن القوالبَ والنماذجَ الجاهزة للملء وأزرارَ التحميل أصبحَتِ الآن أدواتٍ اعتياديةً للمساهمين على الإنترنت. ولا يزال الكود موجودًا بإمكان المستخدمين الحصول عليه بنقرةٍ على نافذة المتصفح، لكن لا حاجةَ بهم لمعرفة تكويد لغة HTML أوXHTML لإنشاء مواقع الويب أو إضافة محتوًى على الإنترنت.

وحيث إن إصدار الويب ١٫٠ اتَّسَم بحصول المستخدمين على المحتوى من الإنترنت بصعوبةٍ؛ فإن عالَم إصدار الويب ٢٫٠ أكثر تفاعُليةً بالأساس؛ فالمستخدمون يتصفحون الويب بشكلٍ روتيني للاطِّلاع على مواعيد عرض الأفلام وقراءة البريد الإلكتروني، بل يُحمِّلون أيضًا الصورَ وينشرون التعليقات على مواقع التواصل الاجتماعي. كان نشر المحتوى في الماضي يتطلَّب إنشاء موقع متخصِّص، ثم كتابة الكود الضروري لإضافة محتوًى جديد؛ أما الآن فنَشْرُ محتوًى جديدٍ بلَغَ من السهولة أنك تختار الملفات المراد تحميلها وربما تكتب بعض التعليقات عليها. تعزَّزَتْ إتاحةُ الإنترنت للجميع عن طريق التحميل بنقرة واحدة والتكنولوجيا التي تيسِّر ذلك.

غيَّرَتْ خدمةُ يوتيوب القائمة على إصدار الويب ٢٫٠ من عرض محتوى الفيديو على الإنترنت. أتاح يوتيوب تقديمَ الوسائط المتحركة إلى قطاعات عريضة من الجماهير، وهو ما كان فيما سبق الاختصاصَ الحصري لاستوديوهات إنتاج الأفلام وشبكات توزيع خدمات التليفزيون. أيُّ شخص يمتلك كاميرا تسجيل بإمكانه اليومَ أن يبثَّ محتوًى على الويب. والمُشاهِد الذي يقضي أكثر من بضع دقائق على الموقع مشاهِدًا مقاطعَ الفيديو يعلم أنه لا يفصله عن المقاطع التي تقدِّم محتوًى راقيًا والأخرى السخيفة سوى ضغطة زرٍّ. وهذا جزء من نجاح الموقع؛ فبوسع أي شخص أن ينشر أيَّ شيء تقريبًا ما دام المحتوى غيرَ خليعٍ أو فاحشٍ، أو محمي بحقوق التأليف والنشر. كذلك فإن يوتيوب مستودع بارز لمحتوى الوسائط الجماهيرية الذي كان قابلًا للنسيان فيما مضى، مثل إعلانات التليفزيون والأغاني المصورة. إن الطابع المؤقت لمحتوى الإعلام الإلكتروني — الذي شجبه هارولد إينيس — اتخذ مسارًا جديدًا؛ حيث إن المواقع على الإنترنت مثل يوتيوب أصبحَتْ أرشيفات ضخمة لمحتوى الثقافة الشعبية «القابلة للنسيان». وبوصفي شخصًا مغرمًا طوال حياتي بالموسيقى، لا سيما موسيقى الروك آند رول الكلاسيكية، سعدتُ سعادة بالغة بالكنز الدفين من الأغاني المصورة على يوتيوب. وعلى الرغم من أن دقة الصور منخفضة، وغالبًا ما تكون جودةُ الصوت متدنِّيةً؛ فإن تلك الفيديوهات لم تكن متاحةً للجماهير عادةً قبل إنشاء يوتيوب. إن إتاحة هذه الفيديوهات على الإنترنت خطوة استراتيجية حصيفة من جانب شركات التسجيل، فكما أتوقَّع ستُذكِي جذوةَ الاهتمام بالكثير من صنوف الموسيقى الرائجة القديمة لدى أجيالٍ جديدة من المشاهدين والمستمعين.

كان استخدام الويب كوسيلةِ اتصالٍ في جوهر التطور من إصدار الويب ١٫٠ إلى إصدار الويب ٢٫٠ (وحتى إصدار الويب ٣٫٠). وثمة مجالٌ شهِدَ نموًّا ضخمًا هو استخدام الويب للتواصل الاجتماعي. إن معدلات النمو الاستثنائية لمواقع مثل فيسبوك (انظر أدناه) ولينكد إن منذ عام ٢٠٠٥، توضِّح الجاذبية الشديدة لهذه المواقع بوصفها محفلًا لمشاركة المعلومات والاهتمامات الشخصية والصور ومقاطع الفيديو. الرؤية التي تصوَّرَها تيد نيلسون للإنترنت كمنتدًى للوسائط الفائقة قد تحقَّقَتْ، لا في التجارة الإلكترونية ووسائل الإعلام الجماهيرية فحسب، وإنما في شكل الوسائط الشخصية المُشارِكة أيضًا. يَندُر أن تجد شخصًا دون الثلاثين من عمره ببلد من البلدان المتصلة بالإنترنت ولا يملك حسابًا على موقع للتواصل الاجتماعي حافلًا بالصور والنصوص ومقاطع الفيديو.

دراسة حالة: فيسبوك

عند تحليل معدل الاستخدام الاستثنائي لمواقع التواصل الاجتماعي يبرز موقع فيسبوك بصفته مثالًا مثيرًا للاهتمام. بدأ الموقع في ٢٠٠٤ على يد مارك زوكربيرج، الطالب بالعام الثاني بجامعة هارفرد وزميلَيْه بالغرفة؛ كريس هيوز وداستن موسكوفيتز.38 كان الغرض منه أن يكون نسخةً إلكترونية من مطبوعة طالَعَها مارك في مدرسته الإعدادية كانت تضمُّ أسماء وصور جميع التلاميذ.39 وفي هارفرد في نوفمبر ٢٠٠٣، تسلَّلَ مارك إلى قاعدة بيانات الجامعة التي تضمُّ صورَ الطلاب المُقِيمين بمهجع الطلاب الملحق بالجامعة، ونشر أزواجًا من الصور على موقعٍ أنشأه وسمَّاه «فيسماش».40 كانت فكرته أن الطلاب سيصوِّتون لاختيار الزوج الأكثر جاذبيةً من الطلاب. أرسل عنوان الموقع إلى بعض أصدقائه، ثم أرسله إلى عدة قوائم بريدية إلكترونية للجامعة. في يوم واحد زار الموقع ٤٥٠ طالبًا صوَّتوا ٢٢٠٠٠ مرة على الصور.41 في الوقت الذي راج الموقع بين هؤلاء الطلاب (وأثار غضبَ كثيرين آخَرين)، انزعَجَ إداريو جامعة هارفرد من دخول مارك غير المصرَّح به إلى قاعدة بيانات صور الجامعة. صدر أمرٌ بإيقاف الموقع على شبكة الإنترنت، واستُدعِي مارك أمام مجلس إدارة جامعة هارفرد لاتخاذ إجراءٍ تأديبي معه.
سُمِح لمارك بالعودة إلى هارفرد في فصل الربيع في ٢٠٠٤، وقرَّرَ مع كريس وداستن توسعةَ فكرة فيسماش ليكون موقعًا للتواصل الاجتماعي. انطلق الموقع بعد التعديل أول مرة في ٤ فبراير ٢٠٠٤، وحمل اسم «ذا فيسبوك»، وضم صورًا ملونة (غير مسروقة) قدَّمَها كلُّ طالب مشترك ومعها معلومات عن تخصُّصه الدراسي وحالته الاجتماعية واهتماماته ومعلومات الاتصال به.42 وكما صوَّر الفيلم «الشبكة الاجتماعية» (ذا سوشيال نِتورك) بوضوحٍ، كانت مطالعةُ الحالة الاجتماعية لشخص يهتم المستخدِم لأمره هي أحدَ العوامل الرئيسية التي جذبت المستخدمين إلى الموقع. ظل التصميم الأساسي للموقع كما هو دون تغيير، لكن دخلت عليه تعديلات دقيقة لتضمين مربعات نصية على غرار موقع تويتر لنشر معلوماتٍ حول أنشطتك أو أفكارك الحالية.
حقَّقَ الموقع نجاحًا فوريًّا في هارفرد، وسرعان ما انتشر إلى الكليات والجامعات الأخرى؛ إذ كان يلزم التسجيل بعنوان بريدٍ إلكترونيٍّ جامعي؛ أيْ ينتهي ﺑ .edu وفي ٢٠٠٦ فتح الموقع الاشتراك لأي شخص تجاوَزَ الثالثة عشرة ويملك بريدًا إلكترونيًّا، وهي الخطوة التي عارَضَها كثيرٌ من الأعضاء الذين رغبوا في أن يظل الموقع مقتصرًا على طلاب الجامعة. مع ذلك، كانت خطوة استراتيجية؛ حيث زادت من قاعدة المشتركين زيادةً ضخمة.
موقع فيسبوك من أسرع المواقع نموًّا (على كل المستويات) على الويب؛ حيث يضم ما يربو على ٨٠٠ مليون مشترك، بزيادةٍ تبلغ ٧٠٠ مليون مشترك منذ ٢٠٠٨.43 لم يَعُدْ أغلب هؤلاء المستخدمين من الولايات المتحدة؛ ٧٠ بالمائة منهم يُقِيمون ببلادٍ أخرى، وهي إحصائية تأثَّرَتْ بإتاحة صفحة الدخول على موقع فيسبوك بعدة لغات.44 يُشار بالبنان إلى الدخول على موقع فيسبوك في شمال أفريقيا بوصفه الوسيلةَ الرئيسية لتعبئة الاحتجاج الشعبي في الإطاحة بأنظمة الحكم القمعية في تونس ومصر في يناير ٢٠١١.45 وفي حين أن الفئة العمرية ١٨–٢٥ تمثِّل الرقم الأكبر من مستخدِمي فيسبوك الأمريكيين، فإن القطاع الأسرع نموًّا هو المستخدمون فوق سن ٢٥.46 الخالة مارج والعم جورج يُنشِئون حسابات على فيسبوك، وكذا الجدة إيما والجد آرثر. وإحصاءات توزيع مستخدِمِي الموقع لا تميل فحسب في اتجاه كونهم أكبرَ سنًّا وأكثرَ تنوُّعًا، بل تشير إلى أنهم يقضون الآن وقتًا أطول على الموقع. يقضي مستخدِم فيسبوك المتوسط ٤٫٥ ساعات شهريًّا على الموقع، مقارَنةً بقضائه ٣ ساعات على موقع ياهو، و٢٫٧٥ ساعة على أمريكا أونلاين، و٢٫٥ ساعة على جوجل.47
لعلك تعرف شخصًا يقضي ٤٫٥ ساعات يوميًّا على فيسبوك أو موقع مشابه. ما الجاذبية في مواقع التواصل الاجتماعي عامةً، وفيسبوك خاصةً؟ لا يغيب على أحدٍ أن البشر يستمتعون بالتواصل بعضهم مع بعضٍ. إننا نحب الاتصالَ بأصدقائنا وعائلاتنا عن طريق الهواتف المحمولة والبريد الإلكتروني، والآن باستخدام مواقع التواصل الاجتماعي. إنها تتيح لنا مشاركةَ الصور ومطالعةَ ما يقوم به أصدقاؤنا كلَّ يومٍ، وإبداءَ تعليقاتٍ لطيفةٍ على ما يفعلون، وتجديدَ أواصر الصلة بقدامى الأصدقاء وزملاء الدراسة. هدفُ فيسبوك هو تشجيعُ المستخدمين على جعل زيارة الموقع عادةً يوميةً، وتعزيز الروابط بالمواقع الأخرى التي تحظى بمعدلات زيارة مرتفعة. إن النمو السريع في عدد مشتركي فيسبوك، مُقترنًا ﺑ «لزوجة» الموقع (الوقت المستغرَق على الموقع)، أدَرَّ عائداتٍ متزايدةً للشركة الأم. إن الشركات المملوكة ملكية خاصة لا تنشر إحصاءات الأرباح والخسائر، لكن يقدِّر المحلِّلون أن عائداتها في ٢٠١٠ تجاوزَتْ ٢ مليار دولار.48 وستزيد أرباح الموقع أكثر في المستقبل مع جَنْي تحالُفات الروابط الترافقية لإيرادٍ جديدٍ من الإعلانات. إن بيع حقِّ الوصول إلى ٨٠٠ مليون مشترك حول العالم لأغراض الإعلان والتسويق يمكن أن يدر عائدًا ضخمًا، لكن على حساب المجازَفة بخسارة هؤلاء الأعضاء، كما حدث مع مشروع بيكون التابع لفيسبوك في ٢٠٠٧. وسأتناول بالتحليل التفصيلي هذه الشواغل وغيرها من شواغل الخصوصية على مواقع التواصل الاجتماعي بالفصل الحادي عشر.

إن الفترةَ الزمنية من حلم بول أوتليه بمنظومة إلكترونية عالمية للنفاذ إلى المعلومات في ١٩٣٤، حتى تحقُّقِه في صورة الشبكة العنكبوتية العالمية في تسعينيات القرن العشرين؛ استغرقت أقل من جيل واحد؛ ٦٠ عامًا. في هذه العقود الستة خطَتِ البشريةُ خطوات شاسعة في مجال تكنولوجيا المعلومات والاتصالات. وكان يلزم إنتاج كمبيوترات إلكترونية بإمكانها معالجة كميات ضخمة من البيانات بسرعة وبكفاءة، وكان يلزم أن تتطوَّر التكنولوجيا الإلكترونية من الصمامات المفرغة في خمسينيات القرن العشرين إلى وحدات الترانزستور كمكونات مفردة، ثم إلى ملايين من وحدات الترانزستور المدمجة في الشرائح. وفي الوقت الذي خفَّضَ تضاعُفُ سعةِ الشرائح بحسب قانون مور من حجم الأنظمة الرقيمة، خفَّض كذلك من ثمنها إلى النصف كلَّ عامين. وفي الوقت الذي تضاعفَتْ سرعة وقدرة الأجهزة، كان يلزم إنشاء شبكات لربطها. ولعل الحرب الباردة جزءٌ من الباعث على إنشائها في الولايات المتحدة، لكن كان الباعث في الأساس رغبة في مشاركة المعلومات والموارد الحاسوبية أدَّتْ إلى النمو السريع للإنترنت ثم الويب. إضافةُ الاتصالات إلى تكنولوجيا المعلومات، بدايةً في شكل البريد الإلكتروني والآن في شكل الوسائط الفائقة والهواتف المحمولة التي تخدم كل الأغراض؛ أدَّتْ إلى نموٍّ ضخمٍ في الوسائط الاجتماعية من شأنه أن يستمر في التوسع في هذا القرن. وتكمن المفارَقةُ في أن هذا الكون الرقمي اللاسلكي قائمٌ على شبكةٍ من الكابلات تلفُّ حول الكوكب؛ وارتباطُ الكوكب بالكابلات هو موضوع الفصل السابع.

هوامش

(1) P. Otlet, International Organisation and Dissemination of Knowledge: Selected Essays of Paul Otlet, ed. W. B. Rayward (London: Elsevier, 1990). Otlet’s colleague Henri La Fontaine was a key partner in organizing the Mundaneum.
(2) A. Wright, “The Web Time Forgot,” New York Times (June 17, 2008). Retrieved September 3, 2009, from http://www.nytimes.com/2008/06/17/science/17mund.html?_r=2.
(3) Ibid.
(4) The name Mundaneum is derived from root word mondial for world. Otlet’s original vision called for it to be part of a “world city” dedicated to global peace. The predecessor to the Mundaneum was the Palais Mondial in Brussels, Belgium.
(5) Otlet, International Organisation and Dissemination of Knowledge.
(6) The museum is about one hour by train from Brussels. See Wright, “The Web Time Forgot.”
(7) G. Wolf, “The Curse of Xanadu,” Wired (June 1995). Retrieved September 3, 2009, from http://www.wired.com/wired/archive/3.06/xanadu.html.
(8) Ibid.
(9) Ibid.
(10) T. H. Nelson, Literary Machines: The Report On, and Of, Project Xanadu Concerning WordProcessing, Electronic Publishing, Hypertext, Thinkertoys, Tomorrow’s Intellectual Revolution, and Certain Other Topics Including Knowledge, Education and Freedom (Sausalito, CA: Mindful Press, 1981).
(11) Wolf, “The Curse of Xanadu.”
(12) M. M. Waldrop, The Dream Machine: J. C. R. Licklider and the Revolution That Made Computing Personal (New York: Viking Penguin, 2001), 210-11. Engelbart had previously applied for National Institute of Mental Health funding in 1961, but they rejected the proposal saying that “since your Palo Alto area is so far from the centers of computer expertise,we don’t think that you could staff your project adequately” (ibid., 216). This comment is amusing today, as SRI is located on the northern end of Silicon Valley, but in 1961 it was far from the established computer science centers in the eastern US.
(13) Ibid., 215.
(14) D. Engelbart, “The Augmented Knowledge Workshop,” in A. Goldberg (ed.), A History of Personal Workstations (New York: ACM Press, 1988), 189.
(15) Ibid., 215.
(16) H. Rheingold, Tools for Thought (New York: Simon & Schuster, 1985), ch. 9. Retrieved August 6, 2009, from http://www.rheingold.com/texts/tft/9.html.
(17) M. M. Waldrop, The Dream Machine: J. C. R. Licklider and the Revolution that Made Computing Personal (New York: Penguin, 2001), 212.
(18) The widely used acronym HCI can mean either Human-Computer Interaction or Human-Computer Interface. The latter term is more narrowly defined as the tools that allow humans to input and receive analog information from a digital computer-e.g., a display screen, speakers, keyboard, and a mouse.
(19) D. Engelbart, Augmenting Human Intellect: A Conceptual Framework, Report to the Director of Information Sciences, Air Force Office of Scientific Research (Menlo Park, CA: Stanford Research Institute, 1962). Available online: http://dougengelbart.org. See section III, where Engelbart analyzes Vannevar Bush’s As We May Think ideas in detail.
(20) The term online is defined in Federal Standard 1037C, Glossary of Telecommunication Terms (http://www.its.bldrdoc.gov/fs-1037/fs-1037c.htm): 1. In computer technology, the state or condition of a device or equipment that is under the direct control of another device. 2. In computer technology, the status of a device that is functional and ready for service.
(21) A grainy, low-resolution film of the “mother of all demos” is accessible online at YouTube: http://www.youtube.com/watch?v=JfIgzSoTMOs. Recall that this presentation was made in 1968, in the early days of computing history.
(22) The term “mother of all demos” is from S. Levy, Insanely Great: The Life and Times of Macintosh, the Computer that Changed Everything (Harmondsworth: Penguin, 1994), 42.
(23) K. Hafner and M. Lyon, Where Wizards Stay Up Late: The Origins of the Internet (New York: Touchstone, 1996), 78.
(24) V. Cerf, “Rants & Raves,” letter published in Wired 9/3 (September 1995). The letter is accessible online at http://www.wired.com/wired/archive/3.09/rants.html.
(25) J. Abbate, Inventing the Internet (Cambridge, MA: MIT Press, 1999), 94.
(26) T. Berners-Lee, Weaving the Web (New York: HarperCollins, 1999), 1. Enquire Within Upon Everything (1890) has been reprinted and is available online: http://www.amazon.com/Enquire-Within-upon-Everything-1890/dp/187359030X/ref=sr_1_1?ie=UTF8&s=books&qid=1215026795&sr=8-1.
(27) Berners-Lee, Weaving the Web, 1.
(28) Ibid., 26. See also A Little History of the World Wide Web page at the W3C site: http://www.w3.org/History.html.
(29) Berners-Lee, Weaving the Web, 30.
(30) See the Answers for Young People site at W3C: http://www.w3.org/People/ Berners-Lee/Kids.
(31) It is also important to not confuse the Web with the Internet. The Web is an application that is a subset of the Internet, and subsumes many prior functions that had to be accomplished by writing instructions in Unix code. As new and easy-to-use GUI browsers were developed such as Mosaic in 1993 and Netscape Navigator in 1994, the Web became accessible to millions of computer users.
(32) Berners-Lee, Weaving the Web, 68.
(33) Ibid., 69.
(34) The company is officially known as AOL LLC, a company formerly operated by Time Warner. Dial-up meant that subscribers had to connect via a special phone line at what is today a very slow access speed-56 kbps.
(35) S. Yin, “75% of AOL Subscribers Don’t Need to Pay, Says Report,” PC Magazine (January 24, 2011). Retrieved January 30, 2011, from http://www.pcmag.com/article2/0,2817,2376167,00.asp#.
(36) D. DiNucci, “Fragmented Future,” Print 53/4 (1999), 32. While Darcy DiNucci is cited as the source for the term Web 2.0, many others have contributed to its elaboration since 1999.
(37) T. O’Reilly, “The Architecture of Participation” (June 2004). O’Reilly Media Inc. website. Retrieved July 10, 2009, from http://www.oreillynet.com/pub/a/oreilly/tim/articles/architecture_of_participation.html.
(38) C. Hoffman, “The Battle for Facebook,” Rolling Stone (June 26, 2008). Retrieved July 30, 2009, from http://www.rollingstone.com/news/story/21129674/the_battle_for_facebook/. This article includes claims from three other Harvard students who contributed to the Facebook concept, but were shut out of the company.
(39) Zuckerberg attended Phillips Exeter Academy in New Hampshire, which published a generically named “facebook” with each student’s name and photograph.
(40) K. A. Kaplan, “Facemash Creator Survives AdBoard,” The Harvard Crimson (November 19, 2003). Retrieved July 30, 2009, from http://www.thecrimson.com/printerfriendly.aspx?ref=350143.
(41) Ibid.
(42) Hoffman, “The Battle for Facebook.”
(43) Facebook statistics. Retrieved September 4, 2011, from http://www.facebook.com/press/info.php?statistics.
(44) B. Stone, “Is Facebook Growing Up Too Fast?”, New York Times (March 29, 2009). Retrieved August 3, 2009, from http://www.nytimes.com/2009/03/29/technology/internet/29face.html.
(45) A. Shah, “Egypt’s New Hero: Can Geek-Activist Wael Ghonim Overthrow Mubarak?”, Time (February 8, 2011). Retrieved February 14, 2011, from http://www.time.com/time/world/article/0,8599,2047006,00.html.
(46) J. Smith, “Number of U.S. Facebook Users Over 35 Nearly Doubles in Last 30 Days,” Inside Facebook (March 25, 2009). Retrieved July 30, 2009, from http://www.insidefacebook.com/2009/03/25/number-of-us-facebook-usersover-35-nearly-doubles-in-last-60-days/.
(47) M. Megna, “Facebook Rules in Time Spent Online,” Internetnews.com (July 14, 2009). Retrieved July 22, 2009, from http://www.internetnews.com/webcontent/article.php/3829801/Facebook+Rules+in+Time+Spent+Online.htm.
(48) J. O’Dell, “Facebook On Track for $2B in Revenue in 2010,” Mashable (December 16, 2010). Retrieved January 16, 2011, from http://mashable.com/2010/12/16/facebook-2-billion-revenue/.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤