الرجل المُولَع بالهوايات
بام. بام. بام-بام. بام.
استيقظتُ مِن نَومي، ثم اعتدلتُ جالسًا على السرير أُنصت بإمعان. بدَت لي الضجة وكأنها صادرة عن مطرقة مكتومة الصوت يستخدمها أحدهم محاولًا هدم الحائط طوبة تلو الأخرى.
«لصوص البيوت!» هكذا حدثتني نفسي (فالمرء يفترض، بحكم العادة، أنَّ أي شيء يحدث في العالم بعد الساعة الواحدة صباحًا يكون بفعل لصوص البيوت)، وطفقت أفكِّر يا لها من طريقةٍ غريبة لاقتحام البيت، فهي بطيئة ومرهقة.
استمرَّت أصوات الطَّرق بوتيرة غير منتظمة لكن دون انقطاع.
كان سريري يحاذي النافذة؛ لذا مَددتُ يدي وأَزحتُ طرف الستائر، فتسرَّب ضوء الشمس داخل الغرفة. نظرت إلى ساعتي، إنها الخامسة وعشر دقائق صباحًا.
غريب أن يعمل اللصوص في هذه الساعة، سيحين وقت الإفطار قبل أن ينجحوا في اقتحام البيت.
فجأة سمعت صوت تهشُّم زجاج، ثم سقط شيءٌ ما على الأرض بعدما ارتطم بالستارة. انتفضت قائمًا من السرير وفتحتُ النافذة على مصراعيها.
أسفل النافذة، وقع بصري على شاب حديث السن، أحمر الشعر، لا يرتدي سوى كنزة وبنطال رياضي خفيف، واقفًا على العشب.
«صباح الخير» قالها في ابتهاج ثم أضاف: «هلا أرجعت إليَّ كرتي؟»
رددتُ متسائلًا: «أي كرة؟»
فأجابني: «كرة التنس الخاصة بي، لا بد أنها في مكان ما بحجرتك، لقد اخترقت النافذة مباشرة.»
عثرت على الكرة ورميتها له.
ثم سألته: «ماذا تفعل بالضبط؟ هل تلعب التنس؟»
أجاب: «لا، أنا أتمرَّن فحسب برمي الكرة على حائط البيت. فلهذا التدريب تأثيرٌ رائع على تحسين أدائي في اللعب.»
رددت، بقدر من الفظاظة، قائلًا: «أخشى أنه لا يُحسِّن من جودة نومي، لقد قدمت إلى هنا لأجل الهدوء والسكينة، ألا تستطيع التدرُّب نهارًا؟»
ضحك قائلًا: «نهارًا! لقد أصبحنا نهارًا بالفعل، منذ ساعتَين! لا عليك، سأتمرن عند الجانب الخلفي من البيت.»
ثم اختفى وراء المنزل، وواصل عمله بالخلف، حيث أيقظ الكلب. وبعدها سمعت صوت تحطُّم نافذة أخرى، يليه صوت أحد النزلاء يستيقظ من النوم مُحدِثًا جلبة في جزء قَصيٍّ من البيت، ولا بد أن النعاس غلبني مجددًا بعد ذلك بوقتٍ قصير.
كنت قد قدمتُ لقضاء بضعة أسابيع في نُزُل بمدينة ديل. وكان هو الشاب الآخر الوحيد بالمنزل؛ لذا بدا من الطبيعي أن أقضي وقتًا كبيرًا في صحبته. كان شابًّا لطيفًا وودودًا، لكني كنت سأستمتع بصحبته أكثر لو كان أقل ولعًا بلعبة التنس.
كان يلعب التنس عشر ساعات يوميًّا في المتوسط. وكان يُنظِّم مجموعات من أفراد ذَوِي مزاج رومانسي كي يلعبوا التنس في ضوء القمر (وحينها كان نصف وقته يضِيع في محاولة تمييز خصومه في الظلام)، ومجموعات من غير المؤمنين كي يلعبوا التنس أيام الأحد. وقد شهدته في الأيام الممطرة يتمرَّن على ضربات الإرسال وحده مرتديًا معطفًا من المشمع وحذاءً مطاطيًّا.
وعندما سافر ليقضي الشتاء مع أهله في مدينة طنجة، سألته بعد عودته عن رأيه في المدينة.
رد قائلًا: «أوه، يا لها من مدينة صغيرة بشعة! تصوَّر لا يوجد ملعب تنس واحد في أي مكان. وعندما حاولنا اللعب فوق سطح المنزل، اعترضت أمي بداعي خطورة ذلك.»
بَيْد أنه سُرَّ أيما سرور بزيارة سويسرا. ونصحني بالإقامة في مدينة زيرمات في زيارتي القادمة للبلاد.
ثم استطرد قائلًا: «ثمة ملعب تنس ممتاز في زيرمات، وكأنك تلعب في ويمبلدون.»
أخبرني صديقٌ مشترك لاحقًا أنهما كانا واقفين على قمة جبل يونجفراو في سويسرا عندما قال له وعيناه مثبتتان على هضبة ثلجية صغيرة تحدُّها المنحدرات من كل جانب وتبعد بضع مئات من الأقدام أسفلهما: «يا إلهي! لا أصدق ما أراه! هذه الهضبة تصلح ملعب تنس صغيرًا لا بأس به على الإطلاق؛ انظر إلى هذا الجزء المسطَّح هناك. لكن على المرء أن يأخذ حذره فيها ولا يتراجع بظهره كثيرًا أثناء اللعب.»
وعندما كان لا يلعب التنس أو يتدرب على التنس أو يقرأ عن التنس، كان يتحدث عن التنس. وكان رينشو، لاعب التنس البريطاني والمصنف الأول عالميًّا، شخصية بارزة في عالم التنس وقتها، فكان يواظب على ذكره حتى تولدت في نفسي رغبة شريرة في قتل رينشو بطريقة لا تسبِّب ضجة ولا تلفت الأنظار ثم دفنه.
في ظهيرة يوم شهد أمطارًا غزيرة، أخذ يتحدث معي عن التنس طوال ثلاث ساعات متواصلة، ذاكرًا رينشو حوالي أربعة آلاف وتسعمائة وثلاث عشرة مرة، حَسْبما أحصيت. وبعدما تناول وجبة الظهيرة الخفيفة واحتسى الشاي، سحب كرسيه نحو النافذة كي يجلس بجواري واستأنف حديثه قائلًا: «هل لاحظت من قبلُ الطريقة التي يتبعها رينشو في …»
قاطعته قائلًا: «تخيَّل أن شخصًا ما ابتاع مسدسًا — شخص بارع في التصويب — وأطلق الرصاص على رينشو حتى أزهق روحه، هل سيتوقف عندئذٍ لاعبو التنس من أمثالك عن الحديث عنه ويتحدثون عن أحد غيره؟»
رد باستياء: «لكن، مَن ذا الذي سيُطلق الرصاص على رينشو؟»
قلت: «دعك من هذه التفاصيل، افترض أن أحدهم فعل ذلك، ما قولك؟»
قال: «حسنًا، في هذه الحالة، سيظل أخوه موجودًا.»
كنت قد نسيت ذلك.
فتابعت: «طيب، لن أخوض معك في حديث حول عدد إخوة رينشو. افترض فحسب أنَّ أحدهم قتل آل رينشو جميعًا، هل سيقل حينئذٍ عدد المرات التي ستأتي فيها على سيرته؟»
رد مشددًا على كل حرف: «أبدًا. سيُذكر اسم رينشو دومًا أينما ذُكر التنس.»
ولا أجرؤ على التفكير فيما كان سيتمخَّض عنه الحديث لو كان قد أجاب بخلاف ذلك.
في العام التالي هجر التنس كليًّا، وأصبح مصوِّرًا هاويًا متحمسًا، وحينها ترجَّاه جميع أصدقائه أن يعود إلى التنس، وسعوا إلى جره إلى الحديث عن ضربات الإرسال والرد والضربات الطائرة، وعن نوادر رينشو. لكنه لم يحفل بهم.
وهكذا، أخذ يلتقط صورًا لكل ما يراه، أينما ذهب؛ صور لأصدقائه جعلتهم أعداءه، صور لأطفال رُضَّع فطرت قلوب أمهاتهم، صور لزوجات شابات أشاعت الكآبة في عش الزوجية. ويُحكى أنَّ شابًّا أحبَّ فتاة رأى أصدقاؤه أنها غير مناسبة له، لكنهم كلما عدَّدوا مثالبها زاد تعلُّقه بها. حتى خطرت بذهن الأب فكرة نيرة؛ فقد طلب من بيجليلي، وهو اسمه بالمناسبة، أن يصورها في سبعة أوضاع مختلفة.
وعندما رأى الابن العاشق الصورة الأولى قال: «يا له من كائن بشع! مَن التقط هذه الصورة؟»
وبعدما عرض بيجليلي عليه الصورة الثانية، كان رده: «لكن، اسمح لي، هذه الصورة لا تشبهها البتة، لقد جعلتها تبدو امرأة عجوزًا قبيحة.»
وبعد الصورة الثالثة، قال: «ما هذا الذي فعلته بقدمَيها؟ لا يمكن أن تكونا بهذا الحجم. هذا غير طبيعي بالمرة!»
ثم صاح مندهشًا بعد الصورة الرابعة: «يا للهول! انظر إلى هذا الوضع الذي جعلتها تتخذه. كيف تفتق ذهنك عن تلك الفكرة؟»
ولمحةً خاطفة للصورة الخامسة جعلته يترنَّح، ثم صرخ مرتجفًا: «أعوذ بالله! ما هذا التعبير الشنيع الذي يعلو وجهها؟! إنه لا يمت لعالم البشر بصلة!»
بدأت تظهر على بيجليلي علامات الاستياء، بَيْد أن الأب، الذي كان حاضرًا، هبَّ لنجدته.
فقال السيد العجوز في لباقة: «ليس لبيجليلي يد في ذلك. لا يمكن أن يكون الخطأ خطأه. ما المُصوِّر؟ إنه ليس سوى أداة في يد العلم. إنه يعدُّ جهازه، وأيًّا ما كان أمام عدسة الكاميرا ينعكس بداخلها.»
ثم استطرد، واضعًا يدًا حاسمة على يد بيجليلي، الذي كان على وشك مواصلة عرض الصور: «لا … لا تُره الصورتين الباقيتين.»
وقد أسفت لمصير الفتاة المسكينة؛ إذ اعتقدت أنها كانت تحبُّ الفتى حقًّا؛ أما فيما يخص جمالها، فقد كانت متوسطة الجمال دون شك. لكن روحًا شريرة على ما يبدو قد حلَّت بكاميرا بيجليلي، فجعلتها تنقضُّ على العيوب بغريزة الناقد الموهوب التي لا تُخطئ، وتضخمها حتى تحجب غيرها من الفضائل. فإذا كان لرجل ما بثرة على وجهه فإنه يتحول في الصورة إلى بثرة يتدلى منها رجل. أما الأفراد الذين يتسمون بملامح بارزة وواضحة فكانوا يظهرون في الخلفية وراء أنوفهم. أحد سكان الحي كان يرتدي شعرًا مستعارًا، دون أن يلاحظ أحد، طوال أربعة عشر عامًا، حتى كشفت كاميرا بيجليلي الخدعة في ثوانٍ، وتَجلَّت الحقيقة بكل بوضوح حتى تعجَّب أصدقاء الرجل لاحقًا كيف أغفلوا أمرًا كهذا. وبدا أن الآلة تستمد متعة خفية من إظهار البشر في أسوأ أحوالهم. فإذا التقطت صورًا لأطفال رُضَّع، كانت تكسي وجوههم عادةً بتعبير ماكر خبيث. ومعظم الفتيات الصغيرات كنَّ يبدون حمقاوات تعلو وجوههن ابتسامة سخيفة، أو نساء مشاكسات لا يزلن في طور التكوُّن. أما العجائز المسالمات فكانت تمنحهن نظرة عدائية مستخفة. وحتى القس، وهو رجل متقدم في العمر لا يوجد مَن يماثله تهذيبًا، تحوَّل على يد بيجليلي إلى رجل همجي كث الحاجبَين تبدو عليه سمات الغباء؛ أما محامي البلدة المحترم فقد كسَت وجهه بتعبير من النفاق المكشوف حتى إن معظم مَن رأوا الصورة قرَّروا ألا يعهدوا إليه بشئونهم مجددًا أبدًا.
أما فيما يخص صورتي، فربما كان حَريًّا بي ألا أعلِّق، فأنا طرفٌ متضرِّر على كل حال. لذا سأكتفي بالقول إنه إذا كنت أُشبه بأي شكل من الأشكال الصورة التي التقطها لي بيجليلي، فإن للنقاد كامل الحق في كل ما قالوه عني في أي وقت وأي مكان. ولا أزعم أن لي قوامًا في رشاقة الإله أبوللو، لكني أؤكد لكم أن إحدى ساقَيَّ لا يبلغ طولها ضعف طول الساق الأخرى ولا تنحني لأعلى، وإني قادر على إثبات ذلك. وبالرغم من أن بيجليلي اعترف أنَّ حادثًا قد وقع للصورة السلبية أثناء تحميضها ما أدَّى إلى ظهوري بهذا الشكل، فإن هذا التفسير لا يظهر في الصورة ولا يمنع إحساسي بأن ظلمًا قد وقع عليَّ.
لقد بدا أن منظوره لا يخضع لأي قانون بشري أو إلهي. ففي إحدى المرات عرض عليَّ صورة لعمه واقفًا بجوار طاحونة هواء، وأتحدى أيًّا من ذَوِي العدل والإنصاف أن ينظروا إلى الصورة ويحددوا مَن الأكبر حجمًا: العم أم طاحونة الهواء.
وفي واقعة أخرى، أثار فضيحة بين أبناء الأبرشية عندما عرض صورة لشابة أرستقراطية معروفة وتحظى بوافر الاحترام بينما يجلس رجلٌ شاب على ركبتَيها! لم يكن وجه الرجل واضحًا في الصورة، لكنه كان يرتدي زيًّا صبيانيًّا سخيفًا بالنسبة إلى حجمه وطوله الذي يقترب، حَسْب الصورة، من مترين تقريبًا. وكان يلف ذراعًا حول عنقها ويده الأخرى تعانق يدها بينما يبتسم ابتسامة ماكرة.
ولأني على دراية ببعض ألاعيب كاميرا بيجليلي، فقد صدقت تفسير الفتاة الشابة لما ظهر بالصورة دون ذرة تردُّد؛ ومفاده أنَّ الرجل المزعوم هو ابن أختها الذي يبلغ من العمر أحد عشر عامًا. بَيْد أن بعضًا من أعضاء الأبرشية المتشددين سخَّفوا ما قالته، وقطعًا لم يكن الظاهر في الصورة في صالحها.
كانت تلك الأيام هي بداية موضة التصوير الفوتوغرافي، وبدا أنَّ الناس، حديثي العهد بهذه التقنية، مأخوذون بفكرة التقاط صورهم بمقابل زهيد، ما نتج عنه أنَّ جميع أهل الأبرشية تقريبًا ممَّن يسكنون على نطاق ثلاثة أميال من بيت بيجليلي جلسوا في مناسبة ما أو وقفوا أو اضطجعوا أمام كاميرته. ولو كانت أبرشيتنا أقل غرورًا مما هي عليه لكان من الصعب أن تكابد ما تمخض عن ذلك من عواقب. فكل مَن وقعت عيناه على الصورة التي التقطها له بيجليلي لم يشعر مجددًا أبدًا بأي اعتزاز بمظهره الشخصي، وظلَّت الصورة دومًا انكشافًا لا يُمحى من ذهنه.
لاحقًا، اخترع وغدٌ ما كاميرات كوداك المحمولة، فرأينا بيجليلي يتجوَّل في كل مكان معلِّقًا على صدره جهازًا يشبه صندوق تبرعات الكنيسة لكن يفوقه حجمًا، وشاع أنَّ كل ما عليه فعله الآن هو الضغط على زر في الجهاز وستتكفل الشركة، بلا وازع من ضمير أو أخلاق، بباقي الخطوات. وهكذا أضحت الحياة جحيمًا مقيمًا لأصدقاء بيجليلي. لم يعُد أحد يجرؤ على القيام بأي نشاط خوفًا من أن تصوره الكاميرا متلبسًا بفعلته. فقد الْتقطَ بيجليلي صورة عفوية لأبيه بينما يسب البستاني، وصورة سريعة لصغرى شقيقاته مع حبيبها في لحظة الوداع الحميمية عند بوابة الحديقة. لم يكن يُراعي حرمة الأحياء ولا الأموات. لما صَوَّر جنازة خالته، الْتقطَ صورة من الخلف لأحد أقرب أقارب الفقيدة بينما يهمس بقصة مضحكة في أذن أحد أبناء عمومته وهما واقفان بجانب القبر وكلٌّ منهما يرفع قبعته أمام وجهه.
كان الاستياء العام قد بلغ ذروته عندما اقترح ساكنٌ جديد في الحي، وهو شاب يُدعى هاينوث، تنظيم رحلة جماعية إلى تركيا في فصل الصيف. تحمَّس الجميع للفكرة بَيْد أنهم رشَّحوا بيجليلي وحده لها. كنا جميعًا نعلِّق آمالًا عريضة على هذه الرحلة. فقد توقعنا أنه سوف يضغط على زر كاميرته في جناح الحريم مثلًا أو يلتقط صورة للسلطانة من الخلف وسيتكفل حرس القصر أو أحد جنود الإنكشارية بتخليصنا منه.
لكننا مُنينا بخيبة أمل جزئية، وأقول «جزئية» لأن بيجليلي عاد حيًّا، بَيْد أنه شُفي كليًّا من جنون التصوير الذي تلبَّسه قبلًا. حكى لنا أنَّ كل مَن لقيه من متحدثي الإنجليزية، سواء كان رجلًا أو امرأة أو طفلًا، كان يحمل كاميرته الخاصة معه، وبعد فترة من الزمن أصبح مرأى الكاميرات وسماع صوت الضغط على الزر يثير جنونه.
حكى لنا أيضًا أنَّه فوق قمة جبل تاترا في سلسلة جبال كاربات، كان على هواة التصوير من الإنجليز والأمريكيين الراغبين في الْتِقاط «صورة بانورامية للمشهد» الوقوف اثنين اثنين، وكلٌّ منهم يحمل كاميرته تحت ذراعه أو ذراعها، في طابور طويل نظَّمَته الشرطة المَجَرية، وأنَّه في بعض الأحيان كان على المرء الانتظار ثلاث ساعات ونصفًا حتى يحين دوره. وأخبرنا أيضًا أنَّ شحاذي إسطنبول يتجوَّلون في المدينة بينما تتدلى من أعناقهم لافتة تُحدِّد ما يتقاضونه من أسعار لقاء تصويرهم. وقد أحضر معه واحدة من قوائم الأسعار تلك كي يُرينا إياها.
وكانت تنص على الآتي:
-
صورة سريعة من الخلف أو الأمام: ٢ فرنك
-
صورة بتعبير محدَّد على الوجه: ٣ فرنك
-
صورة بتعبير من الدهشة المحبَّبة: ٤ فرنك
-
صورة أثناء أداء الصلاة: ٥ فرنك
-
صورة أثناء الشجار: ١٠ فرنك
وأضاف أنَّ بعض الرجال، ممَّن حباهم الله بسحنة تقطر شرًّا أو المشوهين على نحو فائق للمعتاد، كانوا يطلبون نحو ٢٠ فرنك في صورة ويحوزون مرادهم بسهولة.
هكذا هجرَ بيجليلي التصوير، لكنه تحوَّل إلى لعب الجولف. ومن ثَم بدأ يعلِّم أصدقاءه كيف يحوِّلون ملعب التنس إلى ملعب جولف مصغر عَبْر حَفْر حفرة هنا ووضع طوبة أو اثنتين هناك، وتولى القيام بذلك نيابةً عنهم. وأقنع سيدات مُسنَّات ورجالًا عجائز بأن ممارسة الجولف من أسهل الأنشطة الرياضية، وكان يجرجرهم وراءه عدة أميال فوق مروج يغطِّيها العشب البرِّي والشجيرات الشائكة ثم يُعيدهم إلى منازلهم، مُنهكي القوى، آخِذين في السعال، لاعنين إياه في سرهم.
لقيته آخر مرَّة في سويسرا منذ بضعة أشهر. وبدا حينها زاهدًا في الحديث عن الجولف، لكنه أسهب في الحديث عن لعبة الويست. كنا قد التقينا بالصدفة في قرية جريندلفالد، واتفقنا على تسلُّق جبل فالهورن معًا في صباح اليوم التالي. وبعدما قطعنا نصف المسافة، جلسنا لنستريح، ثم ذهبتُ لأتمشى قليلًا وحدي مُستطلِعًا المنظر، ولما عدتُ وجدته جالسًا وبيده علبة من أقراص التبغ المضغوط وأمامه مجموعة من كروت أوراق اللعب مبسوطة فوق العشب، وقد شرع في اللعب!